{سورة الأحزاب مدنية، الآيات 60، 61، 62}

{بسم الله الرحمن الرحيم}
{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا (62)}.
ملخص معاني الآيات:
كان بالمدينة أناس يتصفون بثلاثة خصال ذميمة: (1) النفاق (2) الإتيان بالفاحشة (3) نشر الشائعات بين المسلمين.
حذّرهم الله تعالى من مغبّة العودة إليها بعد التنبيه عليها، فإنهم سيُطردون من المدينة إن عادوا، ويُقاتَلون، فهذه هي سنة الله في الذين خلوا من قبل من أمثالهم.
(2) لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض (مرض النظر إلى المحرمات وإتيان الفاحشة) والمُرجفون بالمدينة، (الظاهر أنهم يهود، الذين كانوا يلجأون إلى نشر الشائعات لتضليل الرأي العام، أو المنافقين) لنُغرينّك بهم، ولنسلّطنّك عليهم، ليطردهم من المدينة، وإن بقوا فيها مدةً بقوا مع الذُلّ والهوان. وقد تم طرد اليهود من المدينة، ولعلّ المنافقين غيّروا وتيرتهم بعد الإنذار، لذلك لم تنزل عليهم العقوبة.
قال الشاه عبد العزيز رحمه الله تعالى:
«هنا حذّر كل من كان وقحا، يتعرّض للنساء، وينشر الشائعات : بقوة الأعداء وضعف المسلمين وهزيمتهم، لتضليل الرأي العام». (موضح القرآن)
(أي أرشد إلى طريقة منع أولئك الذين كانوا ينشرون أخبارا تتعلق بضعف المسلمين وقوة الكافرين وانتصارهم وفتحهم).
 {سنة الله في الذين خلوا من قبل}..
أي من سنة الله وعادته أنه من أقدم على محاربة الرسول والفساد في الأرض ونشر الرذيلة وبث الفتن بين الناس، أخزاه الله، أو أهلكه. أو المعنى : إن أمرنا قد سبق في الكتب السابقة أن أخرجوا المفسدين من صفوفكم، كما نقل ذلك الشاه عبد العزيز رحمه الله من التوراة. (التفسير العثماني)
المرجفون المُرعبون:
{المرجفون} هم أناس يقومون بنشر الأخبار المضللة الكاذبة التي تُرعب الناس وتُخوّفهم من المشكرين، بغية ترسيخ الذعر والهلع المخاوف في القلوب، وتزلزل الأقدام في الجهاد، يقولون: إن العدو سائر إليكم، يريد الغارة، أو الكتيبة الإسلامية الفلانية قد مُنيت بهزيمة، والمشركون قد انتصروا على المسلمين بالمنطقة الفلانية، وما إلى ذلك من أخبار ملفقة كاذبة. لاحظوا فيما يلي بعض نصوص أهل العلم:
(1) والمرجفون في المدينة قوم كانوا يخبرون المؤمنين بما يسوءهم من عدوهم، فيقولون: إذا خرجت سرايا رسول الله · انهم قد قتلوا أو هزموا وأن العدو قد أتاكم. (القرطبي)
(2) هم أناس كانوا يرجفون بأخبار السوء عن سرايا رسول الله ·، فيقولون: هزموا وقتلوا وجرى عليهم كيت وكيت، فيكسرون بذلك قلوب المؤمنين. (المدارك)
(3) لئن لم ينته أولئك الذين يسعون إلى زعزعة الأمن والاستقرار بالمدينة، ويَبُثُّون الأخبار المغرضة.. والرجفة الزلزلة والزعزعة والاضطراب، فإن بعث النبي · بعض السرايا، نشر عنهم ما يسوء المؤمنين، قالوا: هم قُتلوا أو ماتوا، أو انهزموا وتراجعوا، أو أن العدو سيهاجم المدينة. (التفسير المظهري)
(4) كما أن أعداء الإسلام من اليهود القاطنين بالمدينة والمنافقين كانوا يَبُثُّون بين الناس من الأخبار المضللة ما تدخل الخوف والرُعب في قلوب الناس، أو أخبار انهزام المسلمين، أو قالوا: أقبل عليكم العدو. (أنوار البيان)
(5) ومن مساعيهم السيئة نشر الأخبار المضللة الكاذبة بغية اضطراب المسلمين وذعرهم، وهي ما تسمى اليوم بالشائعات، وقد نزلت هذه الآية للقضاء عليها. (معارف القرآن للكاندهلوي)
(6) المرجف الذي يؤذي النبي · بالإرجاف بقوله غلب محمد (·) وسيخرج من المدينة وسيؤخذ وهؤلاء. (التفسير الكبير)
فائدة:
أرجو قراءة النصوص المذكورة بكل اهتمام وتمعّن، ثم تأملوا وتيرة أولئك الذين يضمون الليل إلى النهار بنشر الأخبار المُرعبة عن المشركين، يخوّفون المسلمين، ويتنبؤون بهزيمة المجاهدين، هؤلاء يسمّون مثقفين ناصحين لا يريدون إلا منفعة المسلمين. فهم في الحقيقة مرجفون، يخوّفون الناس من المشركين، أسأل الله أن يحمي المسلمين من شرهم.
الإرجاف حرام:
قال الإمام القرطبي رحمه الله:
«فالإرجاف حرام، لأن فيه إذاية، فدلت الآية على تحريم الإيذاء بالإرجاف». (القرطبي)
تصرف خطير:
لا يقاتل المسلمون المنافقين على العموم، لكنهم إذا سعوا إلى نشر الرذيلة والفاحشة في المجتمع الإسلامي، وتخويف المسلمين وترعيبهم، وزعزعة الأمن والاستقرار، فالحكم حينئذ قتالهم بدون هوادة، لأنها من الأمور التي تدمّر المجتمع الإسلامي، فالواجب على المسلمين مراقبة الفتنتين المذكورتين.
(والله أعلم بالصواب)
اللهم طهّر قلوبنا من النفاق وثبت قلوبنا على دينك برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله تعالى على خير خلقه سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا كثيرا.
غرة جمادى الآخرة 1429هـ
يوم الجمعة، عقب صلاة الجمعة
دار الهجرة
6 يونيو 2008م