بسم الله الرحمن الرحيم
{قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا
باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين
اُوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
ملخص معاني الآية:
فيها أمر المسلمين بقتال أهل الكتاب من اليهود
والنصارى، ويداموا عليه حتى يُسلموا، أو يخضعوا لسلطان المسلمين، فيدفعوا الجزية، أمر
قتال أهل الكتاب من اليهود والنصارى جاء لأسباب كثيرة، أبرزها:
(1) أنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر كما
ينبغي، فهذا هو السبب الرئيسي لقتالهم.
(2) ولا يؤمنون بالآخرة كما ينبغي.
(3) ولا يحرّمون ما حرم الله ورسوله.
(4) ويدينون دين الحق، ولا يؤمنون به.
فحاربوهم للأسباب المذكورة، حتى تنهار قوتهم
وحكومتهم وشوكتهم، ويذعنوا لقوة الإسلام وشريعته، ويعطوا الجزية بعد أن صاروا من
رعايا الدولة الإسلامية، ومن هنا عرفنا أن ما من قوم ارتكبت المفاسد الأربعة
المذكورة إلا وجب قتالهم، وفيها تأكيد على مداوامة القتال حتى التغلب على الكفار،
لأن أهل الكتاب يختلفون عن غيرهم في الإدراك لأمور الدين، وينتسبون إلى الأنبياء
والكتب السماوية، فإن كان قتالهم للأسبا الأربعة المذكورة، فمن الأولى محاربة بقية
المشركين.
تهيئة أسباب الرزق للمسلمين:
إشارةً إلى المناسبة بين الآيات قال معظم
المفسرين : إن في الآيات السابقة وعد المؤمنين بالغنى شريطة عدم تخليهم عن الجهاد،
وفي هذه الآية أكّد على أن أموال الجزية تأتي إليهم من الأرض كلها، لتيسير أسباب
رزقهم.
قال القرطبي:
لمّا حرّم الله تعالى على الكفار أن يقربوا
المسجد الحرام، وجد المسلمون في أنفسهم خوفا من زوال تجارتهم التي كان المشركون
يأتون بها، فقال الله تعالى: {وإن خفتم عيلة..} الخ
ثم أحل في هذه الآية الجزية وكانت لم تؤخذ قبل
ذلك فجعلها عوضا مما منعهم من موافاة المشركين بتجارتهم. (القرطبي)
أمر بقتال أهل الكتاب بعد قتال
المشركين:
قال بعض أهل العلم بشأن المناسبة بين الآيات:
في الآيات السابقة أمر بقتال المشركين، وأعطى منهجا متكاملا بشأنه، وفي هذه الآيات
أمر بقتال أهل الكتاب، وفيها تحريض على غزوة تبوك، قال الإمام ابن كثير رحمه الله
تعالى:
وهذه الآية الكريمة أول الأمر بقتال أهل الكتاب
بعدما تمهدت أمور المشركين، ودخل الناس في دين الله أفواجا، واستقامت جزيرة العرب،
أمر الله رسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى. (تفسير ابن كثير)
التمهيد لغزوة تبوك:
وفي التفسير المظهري:
قال مجاهد: أمر الله تعالى رسوله بقتال الروم،
فنزلت هذه الآية، فتوجه النبي · إلى تبوك لقتال أهل الكتاب. (التفسير المظهري)
في الآية أمر بقتال الكفار
كافة:
قال القرطبي رحمه الله:
فأمر سبحانه وتعالى بمقاتلة جميع الكفار
لإصفاقهم على هذا الوصف. (القرطبي)
وقال اللاهوري رحمه الله:
ينبغي محاربة كل قوم اتصف بالصفات الأربعة
المذكورة، حتى يخضعوا لراية الإسلام. (حاشية اللاهوري)
وهنا قد يتساءل أحد أن الأمر بالقتال يشمل جميع
الكفار، فلماذا التخصيص باسم أهل الكتاب في هذه الآية؟ أجاب عنه العلماء بعدة
أجوبة، نذكر ثلاثة منها:
(1) «أمر بقتال أهل الكتاب خاصة لدفع ما قد
يتردد بعض المسلمين في قتالهم نظراً إلى إيمانهم بالله تعالى في نطاق خاص، يؤمنون
بالتوراة والإنجيل والزبور (بطريقتهم الخاصة)، فانتسابهم إلى الأنبياء السابقين
والكتب السابقة قد يمنع بعض المسلمين من محاربتهم، لذلك أمر بقتالهم خاصة». (معارف
القرآن)
(2) أهل الكتاب من أكابر المجرمين، إذ ورد في
كتبهم ذكر الإسلام ورسوله، وكانوا ينكرون الحق رُغم معرفتهم له، لذلك ذكرهم
بالتخصيص في الآية الكريمة. قال ابن كثير:
ولكونهم عالمين بالتوحيد والرسل والشرائع
والملل، وخصوصا ذكر محمد · وملته وأمته، فلما أنكروه تأكدت عليهم الحجة وعظمت منهم
الجريمة. (القرطبي)
(3) وجاء في تفسير الفرقان:
إن تأملتم لأدركتم أن كبرى الديانتين في العالم
اليهودية والنصرانية كانتا تستقبلان الأنبياء لفترة طويلة، ولديهم الكتب السماوية،
رغم ذلك لاحظوا أحوالهم كيف ابتدعوا عقائد باطلة، إن كان هذا حال كذبهم وخيانتهم
فما بال غيرهم؟ فإن لزم محاربة أهل الكتاب فلزوم قتال غيرهم بالطريق الأولى، لذلك
يناقش القرآن معتقدات أهل الكتاب خاصة، لتقيسوا عليها غيرهم. (تفسير القرآن).
عشرة مباحث ذكرها العلماء في
تفسير الآية الكريمة:
هذه الآية من إحدى آيات الجهاد التي تحتوي على
كثير من أحكام ومسائل وفوائد ونكات الجهاد، وأن العلماء ذكروا تحتها المسائل
التالية:
(1) ممن تُقبل الجزية، وممن لا
تُقبل؟
تُقبل الجزية من جميع الكفار ما عدا مشركي
العرب، سواء كانوا أهل كتاب أو مجوسا أو مشركين، أما مشركي العرب فليس لهم إلا
السيف، وقد ذكر المفسرون الأقوال والأدلة بالتفصيل.
(2) الأصل في الإسلام توجيه الدعوة إلى الكفار
قبل قتالهم، فإن آمنوا فهم إخوة لنا في العقيدة، وإن رفضوا طلبنا منهم الجزية، بأن
يخضعوا لسلطان المسلمين وحكمهم، ويعطوا الجزية، فإن فعلوا فبها، وإلا يُقاتَلون،
لكن لا ذكر هنا للدعوة إلى الإسلام. أجاب عنه المفسرون، وقالوا: لا حاجة إلى توجيه
الدعوة إلى أولئك الذين بلغتهم الدعوة.
(3) ما معنى الجزية؟ هل هي كلمة عربية أم معربة
من عجمية؟ معنى الجزية العوض، فإن كان كذلك فهي عوض عن أي شيء؟ ذكر المفسرون
أقوالا كثيرة هنا بالتفصيل، فقيل: هي عوض عن القتل، نأخذ منهم الجزية لأننا لم
نقتلهم.
ففي معارف القرآن:
وسبب ذلك أن الكفر والشرك معصية الله تعالى
ورسوله، وعقوبته الحقيقية هي القتل، لكن الله سبحانه وتعالى بفضله وكرمه خفّف في
عقوبتهم، إن وافقوا على البقاء داخل الدولة الإسلامية ضمن رعاياها بعدما يدفعون
الجزية، ويلزم على الحكومة حماية أنفسهم وأرواحهم وأموالهم، ولا تُفرض قيود على
طقوسهم الدينية، وهذا المال يُسمى جزية. (معارف القرآن)
وقيل: الجزية عوض عن الخدمات الوطنية التي
تُقدم إليهم، لأن على كل مسلم يجب المشاركة في الجهاد، أما الذميين فليس عليهم إلا
دفع المال. وقيل: الجزية عوض عن كفرهم وشركهم. لأنهم يحافظون على كفرهم، فالجزية
جزاء عنه. وهذا القول من أضعف الأقوال. وأفضل الأقوال الأول، لأن الله تعالى قال:
{قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله} وفي آخره {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} دل
على أن الجزية عوض عن قتلهم. ارجعوا إلى كتب التفسير للتفاصيل.
(4) ما هو مقدار الجزية؟ لقد أكثر فيه أهل
العلم، ارجعوا إلى كتب التفسير.
(5) {عن يد} ما المراد منها؟ قيل: المراد منها
أن يعطوا الجزية بأيديهم، لا يجوز لهم توكيل غيرهم، وقيل: يسلّموا غلبة الإسلام،
ويعطوا الجزية وهم مطيعون منقادون له. وقيل: يوافقوا على دفع الجزية يدا بيد
نقداً، لقد أكثر العلم في معنى {عن يد} لاحظوها فيما يلي:
قال التهانوي رحمه الله: الغرض من {عن يد} أن
لا تكون لهم شوكة، ومعنى {صاغرون} أن يكونوا مسئولين عن قوانين الشريعة الإسلامية
المتعلقة بالمعاملات والسياسات. (بيان القرآن)
(6) {وهم صاغرون} ما معناها؟ ذكر أهل العلم عدة
أقوال وروايات في معناها، وملخصها: أن يعطي الذمي الجزية وهو مُهان ذليل، وهذه الإهانة
إما ظاهرة، بأن يُستهان به أثناء استلام الجزية منه. والثاني: أن يظلوا رعايا
الدولة الإسلامية، ويلتزموا بعموم تشريعات المسلمين، ويعطوا الجزية، فتبعيّتهم
للمسلمين أكبر إهانة لهم، وهذا القدر يكفي.
(7) ذكر بعض أهل العلم أحكام الذميين تحت هذه
الآية، من حيث الحقوق التي ينالونها، والقيود التي تُفرض عليهم. وقد نقل العلامة
ابن كثير رحمه الله كتاب عمر بن الخطاب الذي أصدره، وفيه أحوال الذميين بالتفصيل.
ونحن عندما نقرأ كتابه هذا تنغص أنفاسنا على العزة التي كانت للمسلمين في ذلك
العصر، وعلى الراغبين مراجعته في تفسير ابن كثير.
(8) هل تسقط الجزية عن الذمي إن أسلم؟ نقل
الرازي أقوال أهل العلم فيه، فعند أبي حنيفة رحمه الله تعالى تسقط الجزية فور
اعتناقه الإسلام.
(9) إن أنكر أهل الذمة دفع الجزية إلى المسلمين
بمنطقة من مناطق المسلمين، يقاتلهم الإمام، وتصير المنطقة في حكم دار الحرب،
ونساءهم تعتبر فيئا. وقد ذكر القرطبي تفاصيلها.
(10) ومن أهم المباحث التي ذكرها أهل العلم تحت
هذه الآية هي أن اليهود والنصارى يؤمنون بالله واليوم الآخر، فكيف جاء في هذه
الآية أنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر؟ لقد أكثر أهل العلم في الرد عليه،
وأثبتوا أن إيمانهم بالله واليوم الآخر ليس كما ينبغي، وأن إيمانهم المذكور باطل
وكفر صريح، وأن كفرهم بلغ من الشدة مبلغا تكاد السماوات يتفطرن منه، كما قال الله
تعالى:
{وقالوا اتّخذ الله الرحمن ولداً، لقد جئتم
شيئاً اِداً، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًّا اَن دعوا
للرحمن ولدا} (سورة مريم 88 إلى 91).
والحاصل أن أهل العلم برهنوا على عدم العبرة
بإيمان اليهود والنصارى، لعدم صحته.
وإيمانهم الذي يزعمونه ليس على ما ينبغي فهو
كلا إيمان. (روح المعاني)
أي لا عبرة بقولهم : إنا نؤمن بالله واليوم
الآخر، بل ينبغي أن يؤمنوا كما يُرضي الله سبحانه وتعالى.
وللتوسع ارجعوا إلى التفاسير المعتمدة.
فائدة:
هذه هي المباحث العشرة التي ذكرها أكثر
المفسرين تحت هذه الآية، نسردها هنا، وهذه أسبابها:
(1) الحكم الأساسي في الآية هو أن من واجب
المسلمين تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس كافة، ويقاتلوا كل من يرفضها، ويرغموه على
تبعية الإسلام والمسلمين، وهذه الآية تأمر «بالجهاد الهجومي» وتحث المسلمين على
تغليب الإسلام في العالم كله، وللأسف الشديد إن أكثر المسلمين تركوا الجهاد في
سبيل الله، وقد أصيب تصور الجهاد الهجومي بالوهن عند المسلمين، وفي الظروف المحيطة
بنا يبكي القلب عندما نخوض مبحث الجزية العالي، أين نحن اليوم من الجزية والذمي؟
بل العكس هو الصحيح، فالمسلمون صاروا محكومين يعطون المشركين الجزية، والحاجة اليوم
إلى إحياء الحكم الأساسي في الآية، وهو الجهاد في سبيل الله، وبتعميم الجهاد تأتي
الجزية، ويصيرون ذميين، فتثمر تلك الجهود العظيمة التي صرفها الفقهاء والمفسرون في
تفهيم هذه المسائل.
(2) هذه المباحث كلها مذكورة في كتب الحديث
والفقه والتفسير، ولقد طوينا البحث عنها رعاية لاختصار الكتاب.
عبارة تملأها الأحزان:
كتب العلامة الآلوسي رحمه الله أن من الواجب
على الكفار أن يعطوا الجزية وهم صاغرون، وما شكل هذا الصغار؟ نقل فيه أقوالا، ثم
كتب بكل حزن: حكامنا اليوم لا يعملون بها، حتى إن الذمي إن أرسل الجزية بيد وكيل
قبلوها، ومثل هؤلاء الناس يُضعفون الإسلام، فالله يكفيهم.. فيما يلي نص ما كتبه:
وكل الأقوال لم نر اليوم لها أثراً، لأن أهل
الذمة فيه قد امتازوا على المسلمين، والأمر لله عزوجل بكثير حتى إنه قبل منهم
إرسال الجزية على نائب منهم وأصح الروايات أنه لا يقبل ذلك منهم، بل يكلفون أن
يأتوا بأنفسهم مشاة، عامل الله تعالى من كان سببا له بعدله. (روح المعاني)
هذا كان حال عصر العلامة الآلوسي، لكن كانت
الجزية تأتيهم، إنما كان يتحزن ويتأسّف على طريقة الاستلام، لكن اليوم لا وجود
للجزية، نخلّف اليوم لأبنائنا ربقة العبودية والذل بجبننا وحبنا للدنيا، سلفنا
الصالح كان يثمّن كل حكم من أحكام الإسلام أكثر من نفسهم وروحهم، حتى فازوا، أما
نحن فقد اعتبرنا نفوسنا أغلى من كل شيء، لذلك لا مكانة لنا، وأحد المفسرين قرأ نص
ما ذكره الآلوسي: (أرجو قراءة العبارة بكل تأمل):
وقال في آخره {وهم صاغرون} أي يعطوا الجزية في
حالة الصغار والذلة، فقيل: يعطوا الجزية وهم واقفون، والآخذ من المسلمين يأخذ وهو
قاعد. ورُوي عن ابن عباس أنه يمسك عنق الذمي ثم يقال له: أعط الجزية يا ذمي. وقيل:
قال الآخذ المسلم: أد حق الله تعالى يا عدو الله. وقال الشافعي: معنى صغارهم أن
يعملوا بتلك الأحكام التي نزلت بشأنهم، ويعيشوا بين المسلمين بشكل أتباع، ذكر كل
هذه الأقوال صاحب روح المعاني في (1/79)، وكتب في آخره: ترك المسلمون اليوم العمل
بكل ما جاء في الآية، فهم يرسلون الجزية مع نائبهم، فيُقبل منهم ذلك. والصحيح أن
يُجبروا على الإتيان بأنفسهم، وهم مشاة، لا يجوز لهم ركوب الدابة، فإن خالفوا ذلك
فدليل على ضعف الإسلام، الخ. واشتكى صاحب روح المعاني من ملوك وأمراء عصره، وقال:
هم ما كانوا يكلّفون أهل الذمة بحمل الجزية بأنفسهم، بل يقبلونها من نائبهم ووكيلهم،
أما في يومنا هذا فلا يصدر قانون لأخذ الجزية من الكفار، لأنهم يخافون من الكفار،
ولا يفرضون عليهم الجزية، بل يولون المشركين أكثر أهمية من المسلمين من أهل البلد،
يكرمونهم وينتخبونهم أعضاء المجلس التشريعي. أسأل الله تعالى أن يرفع من همة
المسلمين ويقوّي قلوبهم، ويُلقي في قلوبهم قُبح الكفر والشرك وشناعته ودنسه وبغضه،
كي يحتقروا الكفار ويصاغروهم». (تفسير أنوار البيان)
أسئلة سهلة تساعد في فهم أحكام
الآية المباركة:
(1) الكفر بالله أعظم معصية أم قتل نفس محرّمة؟
(2) الكفر أعظم معصية أم قطع الطريق؟
(3) الكفر أعظم معصية أم السرقة؟
(4) الكفر أعظم معصية أم الزنا؟
(5) الكفر أعظم معصية أم تهريب المخدرات؟
(6) الكفر أعظم معصية أم الخروج على حكومة؟
الجواب:
جواب هذه الأسئلة واحد، وهو أن الكفر بالله
أعظم الذنوب وأكبر المعاصي.
فإن كانت..
منظمات حقوق الإنسان ترفع الدنيا على رؤوسها
على معاقبة اللص وقاطع الطريق والقاتل والقراصنة، لكن تأخذها رأفة على معاقبة
الكافر بكفره، فذلك دليل على أن قدر الذات في النفس أكبر من قدر الله تعالى. (نعوذ
بالله من ذلك)
السؤال الثاني:
إن كان مرض السرطان في حالة متقدمة، ونصحه
الطبيب بالوقاية من أشياء كثيرة، وأمر ببتر أجزاء من جسمه، فهل ذلك من باب النصيحة
أم الإهلاك؟
لاشك أنه من باب النصيحة، فلاحظوا الآن مريض
الكفر في وضع يسير نحو الموت الرهيب والعذاب الخالد، فوفاة الكافر على الكفر عذاب
كبير لا يُرجى التخلص منه، ولا إلى النجاة سبيل، فهو يخلد في الجحيم، فوقاية له من
الجحيم إن كان الإسلام يأمره بالاجتناب عما يقوّيه على الكفر من العزة والنخوة،
فهذا نصح له من الإسلام أو سعي إلى إهلاكه؟
كلام صريح:
لو لم يكن يأمر الإسلام بالجهاد والجزية وبإذلال
الكفر والشرك، لما بلغ الدين إلينا، ولوقعنا في عذاب الكفر، فللأسف الشديد إن
العمل الذي أبلغنا إلى الإسلام تركناه وتخلينا عنه، وتركنا أجيالنا القادمة لقمة
سائغة بيد الكفر والكفار، اللهم ارحم علينا، ووفّق أمة الإسلام للقيام بفروض
الإسلام. آمين يا أرحم الراحمين.
فائدة:
لا يجوز قتل أولئك الكفار والمشركين الذين
يأتون إلى البلاد الإسلامية بتأشيرة أو يقيمون فيها كمواطنين، وهذا هو فتوى أهل
العلم في يومنا هذا، وقد قال النبي ·:
«من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو
أخذ شيئا منه بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة». (القرطبي عن أبي داود)
لكن أهل العلم والفقهاء حدّدوا أموراً تُنهي
العهد والذمة، مثلاً مجاهرة عمل ما يضاد الإسلام، أو الإساءة إليه، أو التطاول على
ذات الرسول · وغيرها. لاحظوا للمزيد كتب التفسير والفقه. (والله أعلم بالصواب)
كلام بركة:
قال الشاه رحمه الله تعالى:
في السابق أمر بمحاربة المشركين وطردهم عن
الدولة الإسلامية، والآن أمر بمحاربة أهل الكتاب، فهم مثل المشركين ينكرون بالدين
الحق، ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر كما ينبغي، لكن ترك باب الجزية مفتوحا إن كان
كبراءهم وسقاطهم يعطونها عن يد وهم صاغرون، لكن لا تقبل الجزية عن مشركي العرب،
فليس لهم إلا الإسلام أو السيف، وتُقبل الجزية عن غيرهم عند الحنفية، وهي في كل
شهر ربع الدرهم أو نصفه أو ثلاثة أرباعه، وفق طاقتهم مع ذلهم وإهانتهم في الملبس
والسير في الطرقات وحمل السلاح بحيث لا يتساوون مع المسلمين، إلى غير ذلك من
الترتيبات. (موضح القرآن)
تحفة لأهل العلم:
يبدو من ظاهر الآية اشتراكا في بيان أسباب
محاربة أهل الكتاب، ومما كتبه القرطبي رحمه الله يندفع هذا الإشكال، لاحظوا هذه
العبارة:
{الذين لا يؤمنون بالله} وذلك بيان للذنب الذي
أوجب العقوبة وقوله {ولا باليوم الآخر} تأكيد للذنب في مخالفة الأعمال ثم قال {ولا
يحرّمون ما حرّم الله ورسوله} زيادة للذنب في مخالفة الأعمال ثم قال {ولا يدينون
دين الحق} إشارة إلى تأكيد المعصية بالإنحراف والمعاندة والأنفة عن الاستسلام. ثم
قال {من الذين اُوتوا الكتاب} تأكيد للحجة، لأنهم كانوا يجدونه مكتوبا عندهم في
التوراة والإنجيل ثم قال {حتى يعطوا الجزية عن يد} فبين الغاية التي تمتد إليها العقوبة
وعين البدل الذي ترتفع به. (القرطبي)