بسم الله الرحمن الرحيم
{هوالذي أرسل رسوله بالهُدى ودين
الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}.
ملخص معاني الآية:
لم يأت الإسلام إلى العالم إلا ليكون غالبا
ومسيطرا عليه، فقد أرسل الله رسوله محمداً · بالهدى ودين الحق أي الإسلام، ليُغلبه
على الدين كله، ولو كره المشركون، ومن ضمنهم اليهود والنصارى. وهؤلاء اليهود
والنصارى سوف يسعون إلى منع انتشاره وغلبته على العالم، وينبغي على المسلمين أن
يقاتلوهم للقضاء على قوتهم وشوكتهم، لكي لا يقدروا على عرقلة طريق الإسلام.
الأقوال والمراجع
هذا الدين نزل للغلبة..
(1) سيجعل الله الإسلام ينتصر على الأديان
كلها، ولم يكن نزوله إلا لهذا الغرض. (حاشية اللاهوري)
(2) أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق لينتصر
على كافة المذاهب والمزاعم الباطلة، ولينقذ سفينة بني آدم من الغرق، فهو يغلب دينه
الحق والصحيح، وقد تحقق ذلك في عهد الصحابة، وانتشر نور الإسلام من المشرق إلى
المغرب، وسوف ينتشر بعد المهدي عليه السلام. (التفسير الحقاني)
(3) غلبة الإسلام على غيره من الملل والأديان
من ناحية عقلانيته وصدقه وتوفر أدلة العقل والنقل في كل عصر وزمان، وذلك بحمد الله
وفضله. أما غلبته من ناحية السلطان والحكم فهي حاصلة له، وستحصل له أكثر. أما تمسك
المسلمين بتعاليم الإسلام بشكل كامل، وقوتهم في جوانب الإيمان والعقيدة والتقوى،
وثباتهم في ساحة القتال، فهذه إما تحققت له، أو سيتحقق في المستقبل. أما غلبة دين
الحق بحيث يزيل الأديان الباطلة عن الوجود، فهي تتحقق بعد نزول المسيح عليه السلام
قرب الساعة. (التفسير العثماني)
(4) قال المحققون: لاشك أن غلبة الإسلام على
الأديان كلها متحققة على الإطلاق من ناحية الدليل والمنطق، وهذه لا تختص بزمان،
أما الغلبة المادية فمشروطة بكفاءة المسلمين وتأهلهم لها، ومال كثير من المفسرين
إلى أن الغلبة الكاملة تظهر بالقرب من الساعة، عند نزول المسيح وزوال بقية
الأديان.
وأكثر المفسرين على الاحتمال الثاني قالوا وذلك
عند نزول عيسى عليه السلام، فإنه حينئذ لا يبقى دين سوى الإسلام. (روح) (التفسير
الماجدي)
وجوه غلبة الإسلام الثلاثة:
«لغلبة الإسلام ثلاثة أوجه، الأول: الغلبة
بالدليل والحجة، وهذا متحقق منذ اليوم الأول، وسيبقى إلى الأبد. لأن أحدا لا يقدر
على مواجهة المسلمين بالدعوى والدليل، أيا كان ذلك، سواء كان ممن يؤمن بإحدى الديانات
السماوية أو وثنيا أو مجوسيا أو كافرا أو ملحدا أو زنديقا، فحجج الإسلام وبراهينه
غالبة على الجميع من اليهود والنصارى والمشركين والزنادقة والملاحدة، وسيبقى غالباً
من هذه الناحية. فالإسلام دين كامل يشمل كافة شئون الحياة. أما أصحاب الديانات
الأخرى فليس لديهم إلا بعض الأفكار والمعتقدات التي اقترفوها، فليس لديهم ضوابط
تنظم حياتهم السياسية والاجتماعية والمعيشية والتجارية والروحية والخلقية
والثقافية، أما الإسلام فقد أعطى ضوابط لتنظيم كافة شئون الحياة، إلى جانب تعاليم
الأخلاق العالية.
والوجه الثاني لغلبة الإسلام هو: أن يترك الناس
شركهم وكفرهم، ويدخلوا في دين الإسلام جميعا، فلا دين إلا الإسلام، وله الحكم
والسلطان، وهذا يظهر قبل قيام الساعة، فقد ينتشر الإسلام بكل قوة في عهد المسيح
والمهدي عليهما السلام، فتمتلئ الأرض بالعدل والإنصاف. روى عن أبي هريرة أن النبي
· تذكر عودة المسيح عليه السلام إلى الأرض فقال: «ويبطل الملل حتى يهلك الله في
زمانه الملل كلها غير الإسلام». (مسند الإمام أحمد 437/2)
والوجه الثالث لغلبة الإسلام من ناحية السلطان
والحكم على الأرض، وهذا قد تحقق، لمّا كان المسلمون يجاهدون في سبيل الله، يحملون
دين الله تعالى إلى الآفاق، يبتغون فضلاً من الله ورضوانا، فزالت كبرى الحكومات في
تلك الأزمنة، وسيطر المسلمون على بلاد قيصر وكسرى، أما الأسرى فقد تم استرقاقهم،
ورضي كثير من المشركين وأهل الكتاب بدفع الجزية، وعاشوا في ظل النظام الإسلامي،
وبقيت بلاد شاسعة في أوروبا وإفريقيا وآسيا تحت الحكم الإسلامي، وهي قارات الأرض
الثلاث التي عرفتها الدنيا، ولم يتم اكتشاف البقية في ذلك العصر، ولا زال سلطان
المسلمين وحكمهم منتشرا على قدر كبير من الأرض، فإن قاموا الآن بالجهاد في سبيل
الله، وتحالفوا فيما بينهم وتنفروا من الكفار ولم يلجأوا إلى الحكومات الكافرة لحل
مشاكلهم، لاستعادوا مجدهم الضايع.
وقد تحقق وعد الله تعالى من ناحية السلطان
والحكم، وسوف يتحقق مرة أخرى في المستقبل، بإذن الله تعالى. روى المقداد بن الأسود
أن النبي · قال: لا يبقى على الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخل الله فيه الإسلام بعز
عزيز وذل ذليل. وقال المقداد بعدما روى الحديث: فيكون الدين كله لله. (المشكاة ص
116 من مسند الإمام أحمد). والمعنى أن الذي يُعزه الله جعله يقبل كلمة الإسلام،
ومن يُذله الله تعالى قُتل أو اضطر إلى دفع الجزية. (أنوار البيان)
فيها دعوة إلى الجهاد:
«لقد اُعطى الله أهل الكتاب أفضل الأديان،
لكنهم شوّهوا تعاليمه، والآن جاء رسول لتحقيق الغرض الحقيقي من الدين، الذي
يظهر دينه على الأديان كلها. وسوف يسعى اليهود والنصارى إلى إذلاله، لذلك يجب
على المسلمين أن يقضوا على قوتهم بالجهاد في سبيل الله».
ولقد ورد ذكر الفتح والنصر المذكور
بالتفصيل، فقد قال النبي · يوما:
«إن الله زوّى لي الأرض مشارقها ومغاربها
وسيبلغ ملك أمتي ما زوّي لي منها».
وعند أحمد في مسنده: «أنه سيفتح لكم مشارق
الأرض ومغاربها وإن عمالها في النار إلا من اتقى الله وأدى الأمانة». (تفسير
الفرقان)
أحاديث غلبة الإسلام:
المراد من الغلبة التي وردت في الآية عند أكثر
المفسرين: غلبة الإسلام الظاهرة على كافة الأديان وفرض سلطانه عليها، قال الإمام
النسفي رحمه الله:
{ليُظهره} ليُعليه، ومثله في الجلالين وغيره من
التفاسير، وهذا المعنى أراده ابن كثير، ثم جمع من الأحاديث ما تدل على ظهور
الإسلام وإعلاءه وانتشاره في الأرض. راجع تفسير ابن كثير.
بحث شيّق:
لقد ناقش الإمام القرطبي رحمه الله تعالى تحت
هذه الآية مسألة الإمام المهدي، وأنه من آل الرسول ·، لما تواترت عليه الأدلة من
السنة، فدل على أن عيسى بن مريم غير الإمام المهدي، وأنهما شخصيتان منفصلتان، ولا
تصح من الروايات ما تقرر المهدي هو المسيح، راجع للتفاصيل تفسير القرطبي. (لقد
ادّعى كثير من الناس في زماننا باطلا وزورا، وقالوا إنهم المسيح أو المهدي، فينبغي
معرفة هذه المسألة معرفة صحيحة حذراً من الفتن).
نكتة غريبة:
قال الإمام الرازي رحمه الله: أراد بالظهور
غلبة الإسلام على الأديان كافة، لأنه قال واعداً: {ليُظهره على الدين كله} والظاهر
أن الوعد لا يكون إلا بما لم يحصل حتى الآن، وأنه سوف يحصل، فإن كان المراد من
الظهور ظهور الحجة والغلبة فقد كان حاصلا في عصر النزول، ولكن المراد منه القوة
والسلطان، وهو ما لم يكن حاصلا له في ذلك العصر، ثم منحه الله تلك القوة والسلطان
فيما بعد، فدل على أن هذه الآية من ضمن المعجزات، بأن الوعد الذي قطعه الله على نفسه
قد تحقق. لاحظوا فيما نص ما قاله الإمام الرازي:
واعلم أن ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجة
وقد يكون بالكثرة والوفور، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء، ومعلوم أن الله تعالى
بشّر بذلك، ولا يمكن أن يبشّر إلا بأمر مستقبل غير حاصل، وظهور هذا الدين بالحجة
مقرر معلوم، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة. (التفسير الكبير)
ثم كتب.. كانت الآية تقتضي غلبة الإسلام على
كافة الأديان، لكنها لم تحصل بشكل كامل، فقد ظلت الهند والصين والروم على ما هي عليها
من الوثنية والشرك، ويجاب عنه بعدة أجوبة، الأول: أن الإسلام قد تغلّب على أديان
العالم الكبرى في عدة مواضع، ففي الجزيرة العربية على اليهود والمشركين، وفي الشام
على النصارى والمجوس، وعلى الوثنية في تركيا وأطراف الهند وغيرها. والجواب الثاني
أن غلبة الإسلام يكتمل عند نزول المسيح وظهور المهدي عليهما السلام.
فثبت أن الذي أخبر الله عنه في هذه الآية قد
وقع وحصل وكان ذلك إخباراً عن الغيب، فكان معجزاً. (التفسير الكبير)
وقال السدي: ذلك عند خروج المهدي، لا يبقى أحد
إلا دخل في الإسلام أو أدى الخراج. (التفسير الكبير)
عناصر غلبة الإسلام:
يبدو مما ذكرنا أن في رأي الإمام الرازي ثقلاً،
لأن الآيات السابقة تناولت الجهاد، والآيات اللاحقة مرتبطة بغزوة تبوك، أما هذه
الآيات فقد قال أكثر المفسرين أنها نزلت تُحرّض على غزوة تبوك، فالمراد من الظهور
حينئذ الغلبة والقوة. ثم لو تأملنا في معنى الآية الكريمة لتوصلنا إلى أن غلبة
الإسلام الظاهرة مرتبطة ببعض الشروط. فقوله تعالى {هو الذي أرسل رسوله} يشير إلى
ضرورة تواجد الرسول · بين أظهر المسلمين، وبعد وفاته تواجد أحد خلفاءه، فدل على أن
من ضروريات تحقق غلبة المسلمين وجود جماعة وخليفة بين المسلمين.
{بالهدى} أشار إلى أن القرآن دستور المسلمين
وقائدهم، فينبغي أن يتخذوه قائدا ودستورا ونظاما. {ودين الحق} أشار إلى أنه ينبغي
على المسلمين أن يتخذوا غلبة الإسلام وتنفيذه وتصديقه غاية حياتهم. {ليُظهره على
الدين كله} يشير إلى ضرورة محاربة الأعداء لغلبة الإسلام.
فكلّما اتفق المسلمون على أمير وخليفة، واتخذوا
القرآن دستورا وقانونا، وتقدّموا لتنفيذ الإسلام وصدقه، وقاموا بالجهاد في سبيل
الله بكل قوة، حصلت لهم الغلبة المذكورة في الآية. وهذا هو الحال اليوم، فما من
موضع يجاهدون فيه إلا وحصلت لهم الغلبة.
ثم تأملوا في أمر مهم، أجمع المفسرون على أن
الأحاديث تواترت على أن المسلمين إن اتحدوا تحت راية الإمام المهدي واتخذوه أميرا
وخليفة لهم، ثم هو لمّا يتخذ عيسى بن مريم أميرا فيجاهد في سبيل الله تخت رايته، تغلبوا
على العالم كله. ومن هنا عرفنا أن سر الغلبة في الجهاد والخلافة، أسأل الله أن
يحيهما في المسلمين. آمين (والله أعلم بالصواب)