{سورة التوبة مدنية، الآية : 39}

بسم الله الرحمن الرحيم

{إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)}.

ملخص معاني الآية:

فيها وعيد شديد وتحذير قوي إلى كل من يتهاون في أمر الجهاد ويتكاسل فيه... لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، ويستبدل بهم قوما غيرهم يجاهدون في سبيل الله، فينصرهم الله وينصر نبيه ويُهلك أعداءه، وهو غني عن العالمين، ليس بحاجة إليكم، يفعل ما ذكر بدون مساعدتكم، لذلك لا يتخلف أحد عن الجهاد إلا أضرّ بنفسه، ولا يضر الله شيئا.

وعيد شديد:

قال القرطبي:
هذا تهديد شديد ووعيد مؤكّد في ترك النفير..
ثم قال:
فوجب بمقتضاها النفير للجهاد والخروج إلى الكفار لمقاتلتهم على أن تكون كلمة الله هي العليا. (القرطبي)
وبالآيتين المذكورتين ثبت وجوب الجهاد.
قال الإمام الرازي:
قال القاضي: هذه الآية دلت على وجوب الجهاد سواء كان مع الرسول أو لا معه، لأنه تعالى قال: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا} ولم ينص على أن ذلك القائل هو الرسول، فإن قالوا: يجب أن يكون المراد هو الرسول، لقوله تعالى: {ويستبدل قوما غيركم} ولقوله {ولا تضروه شيئا} إذ لا يمكن أن يكون المراد بذلك إلا الرسول. قلنا: خصوص آخر الآية لا يمنع عموم أولها. (التفسير الكبير)
وقال النسفي:
سخط عظيم على المتثاقلين حيث أوعدهم بعذاب أليم مطلق يتناول عذاب الدارين، وأنه يهلكهم ويستبدل بهم قوما آخرين خيرا منهم، وأطوع، وأنه غني عنهم في نصرة دينه لا يقدح تثاقلهم فيها شيئا. (المدارك نقلاً عن الكشّاف)
وفي التفسير الفرقان:
إن تخلفتم عن الجهاد فلا تزعموا أن ذلك يمنع المسلمين عن التقدم، لن يحدث هذا، لكن الذي يترتب عليه أنكم تُعذّبون في الدنيا والآخرة عذابا أليما، فماضي الأمم السابقة بين يديكم، ما من أمة وضعت السيف إلا وخذلت وندمت. (التفسير الفرقان)
وقال ابن كثير:
ثم توعّد تعالى من ترك الجهاد فقال: {اِلاَّ تنفروا يعذبكم عذابا أليما}.
وقال ابن عباس: أمر النبي · قوما من العرب بالخروج في سبيل الله، فتثاقلوا، فمنع الله عنهم المطر. (واُجدبوا) .. فكان عذابا لهم. {ويستبدل قوما غيركم} أي لنصرة نبيه وإقامة دينه. {ولا تضروه شيئا} أي ولا تضروا الله شيئا بتوليكم عن الجهاد ونكولكم وتثاقلكم عنه. {والله على كل شيء قدير} أي قادر على الانتصار من الأعداء بدونكم. (تفسير ابن كثير)

من القوم الثاني؟

قال الله تعالى : {ويستبدل قوما غيركم} من هؤلاء؟ فيه أقوال:
(1) ليس قوم بعينه، بل المقصود أنه سبحانه يستبدل بكم قوما غيركم إن تركتم الجهاد، فهم يجاهدون ويطيعونه.
وهذا أقوى الأقوال.
(2) هم أهل اليمن.
(3) هم أهل فارس.
(4) هم التابعون.
وقال الإمام أبو حيّان:
والمستبدل الموعود بهم قال: جماعة أهل اليمن، وقال ابن جبير: أبناء فارس. وقال ابن عباس: هم التابعون، والظاهر مستغن عن التخصيص. (البحر المحيط)
{عذابا أليماً} إن تهاونتم في الجهاد، عُذّبتم عذابا أليما. وفيه أقوال لأهل العلم، قال الآلوسي:
بالإهلاك بسبب فظيع لقحط وظهور عدو. (روح المعاني)
وخلاصة الأقوال كلها أن بقاءكم في الجهاد، وفي تركه هلاككم وظهور عدوكم عليكم ومذلتكم. أعاذنا الله منها. (والله أعلم بالصواب)