{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ
ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)}.
ملخص
معاني الآية:
(1) اُذن للمؤمنين بمحاربة المشركين.
(2) لا ينظر المسلمون إلى ضعفهم وقلة
حيلتهم، لأن الله قادر على نصرهم، وسوف ينصرهم.
(3) من أحد منافع الجهاد أنه يكسر
الظلم. ويحمي المظلوم.
أول
آية في الجهاد في سبيل الله:
هذه أول آية نزلت في «الجهاد في سبيل
الله» عند أكثر المفسرين، وقبلها نزلت بمكة أكثر من سبعين آية تمنع من الجهاد،
وتلقنهم الصبر على ما يلقون من المشركين من أذى.. وهذه الآية تناولت أربعة مباحث
مهمة ذكرها مفسرون:
(1) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه
الآية نزلت بالمدينة المنورة عقب الهجرة، وفيها أذن المسلمين بالجهاد.
(2) قيل: هي مكية، نزلت قبل الهجرة
بأيام، وذلك أن المسلمين كانوا يخرجون مهاجرين إلى المدينة، فكان المشركون يتعرضون
لهم في الطريق، ويعيقون طريقهم ويؤذونهم، فأذن لهم بالجهاد ضدهم لدحر كل من يعيق
طريقهم بقتالهم.
(3) {إن الله على نصرهم لقدير} قيل:
المعنى : لا ينظر المسلمون إلى ضعفهم وقلة أسبابهم المادية، إن كان الله قد أمرهم
بالجهاد فإنه قادر على نصرهم وموازرتهم. ففيها وعد بالنصر والتمكين.
(4) والقول الثاني: إن الله قادر على
نصر عباده بدون جهاد، لكنه يريد أن يجاهد عباده المخلصون في سبيله بأموالهم
وأنفسهم، فينصرهم. فعرفنا أن الجهاد يحبه الله تعالى، وأنه يمنح عباده كثيرا من
النعم بواسطة الجهاد.
فبملاحظة المباحث الأربعة يسهل وعي
عبارات المفسرين، لاحظوا فيما يلي نصوص ما كتبوا حول الآية، أوّلها ما كتبه
العلامة ابن كثير رحمه الله، وقد أتى كلاما جامعا.
نص ما كتبه
ابن كثير:
قال العوفي عن ابن عباس: نزلت هذه الآية
في النبي · وأصحابه الذين اُخرجوا من مكة. وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك وعروة بن
الزبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان وقتادة: هذه أول آية نزلت في الجهاد. وبه أثبت
أنها سورة مدنية. وأخرج ابن جرير بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لمّا
أخرج المشركون رسول الله · من مكة قال أبو بكر : إنا لله وإنا إليه راجعون، كيف
ينجون من الهلاك فقد أخرجوا نبيهم، فنزلت هذه الآية: {اُذن للذين يقاتلون بأنهم
ظُلموا وأن الله على نصرهم لقدير} فقال أبو بكر: عرفت أن الحرب سوف تقع.
أخرج الترمذي والنسائي عن ابن عباس رضي
الله عنهما قوله: وهي أول آية نزلت في القتال.
{وإن الله على نصرهم لقدير} أي قدير على
نصر عباده بدون حرب وقتال، لكنه يريد أن يبذل عباده ما بوسعهم في طاعته، كما قال
تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ
الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا
الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً
حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ
وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ
الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} (سورة محمد الآيات 4 إلى 6) وقال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ
يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ
صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ
عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)} سورة التوبة الآية 14-15)
وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ
جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ
وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)} (التوبة : 16) وقال تعالى: {
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا
مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)} (آل عمران: 142) وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ
(31)} (محمد : 31) والآيات كثيرة في الباب كلها تؤكّد على أن الله يريد أن يجاهد
عباده في سبيله، لذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ
عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)} أنجز ما وعد، لقد نصرهم، وشرع الجهاد في وقت
مناسب له، لأنه لو أذن لهم بالجهاد وهم في مكة، لكان من الصعب عليهم العمل به، لأن
عددهم كان أقل بكثير من عدوهم. (لم يكن مسلم واحد مقابل عشرة من المشركين). وفي
ليلة العقبة الثانية لمّا بايع أكثر من ثمانين رجلا على يدي رسول الله · قالوا:
أما نهاجم على أولئك المشركين الذين في منى؟ فقال: لا فإن الله لم يأذن لي بالجهاد.
فلما تعدّوا الحدود في الكفر والعصيان وإيذاء الرسول والمؤمنين، وأخرجوا نبي الله
من مكة، وهمّوا بقتله، فرّق النبي · أصحابه في الأرض من بلاد الحبشة والمدينة، ثم
احتشدوا جميعا بالمدينة واستقروا فيها، ووجدوا ملاذاً آمنا في ظل دار الإسلام، شرع
الله لهم الجهاد، فنزلت أول آية تأمر بالجهاد: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ
ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)} (ابن كثير).
التقرير
النسفي:
أذن الله أصحاب نبيه بالجهاد بعدما
اُوذوا في سبيل الله، كان المشركون يؤذونهم، كانوا يأتون إليه · بعدما يتلقون
الضربات ويصابون بالجروح على أيدي المشركين، ويشتكون إليه، فكان يلّقنهم الصبر
ويقول: لم يُؤذن لي بالجهاد، حتى لمّا هاجر النبي · نزلت هذه الآية.
وهي أول آية اُذن فيها بالقتال بعد ما
نُهي عنه في نيف وسبعين آية. {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)}
فيها بشارة للمسلمين بالغلبة والنصر، وكما في هذه الآية: {اِنَّ اللهَ يُدافِعُ
عنِ الَّذِيْنَ آمنُواْ} (المدارك)
ومثله نقل الرازي وأبو حيان.
الارتباط
بين الآيات:
في هذه الآية تفصيل للوعد المذكور في
الآية السابقة، وبيانه أن الله نصر المسلمين بالإذن بالجهاد، الذي ينتج عنه غلبتهم
على المشركين، وفتح مكة.
قال التهانوي رحمه الله:
في الآية السابقة وعد المؤمنين بالنصر،
وفي هذه الآية بيان طريقه، ومنه الإذن بالجهاد والوعد بالنصر فيه، ولاشك أن هذه
الآية متقدمة على واقعة الحديبية من حيث النزول، لأنها متقدمة على جميع آيات
الجهاد، (كما رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس، كذا في الروح) وكانت قصة
الحديبية قد وقعت بعد عدة غزوات، لكن ترتيب التلاوة يقتضي وجود هذه الآية في هذا
الموضع، إذ الترتيب توقيفي لا يجوز لأحد التدخل فيه. أما توضيح الارتباط فهو أن
طريق النصر الذي سبق بيانه في الآية السابقة يتخلص في الإذن بالجهاد، ويعقبه
النصر، فإذا حان وقته، انتصرتم عليهم. (بيان القرآن)
فباختصار، في الآية السابقة قال إن الله
يبعد شرور الكفار وأذاهم عن المؤمنين، وفي هذه الآية بيّن وجهه أن ذلك يكون
بالجهاد، ينتصرون عليهم بالجهاد، وسوف ينصرهم الله فيه، فينهزم الكفار، ويغلب
الإسلام والمسلمون.
قيل:
هذه آية مكية..
قال الإمام أبو حيان رحمه الله:
قيل: نزلت في قوم خرجوا مهاجرين
فاعترضهم مشركوا مكة فأذن لهم في مقاتلتهم. (البحر المحيط)
وفي التفسير المظهري:
روى البغوي عن مجاهد أن هذه الآية نزلت
في أولئك الذين خرجوا من ديارهم متوجهين إلى المدينة بنية الهجرة، فاعترضهم مشركون
وأعاقوا طريقهم، فأذن لهم بقتالهم. (المظهري)
وفي التفسير الماجدي:
هذه أول آية في أحكام القتال والجهاد..
نزلت قبل أيام من هجرة النبي ·. (الماجدي)
فالإذن بالجهاد يثبت قبل الهجرة وفق هذا
القول لأهل العلم. لكن القول الأول أقوى. (والله أعلم بالصواب)
ما هي
أول آية تأذن بالجهاد؟
ما هي أول آية أذنت بالجهاد؟ ذكر
الآلوسي ثلاثة أقوال فيه:
(1) هذه آية 39 من سورة الحج أول آية من
القرآن تأذن بالجهاد.
(2) روى ابن جرير عن أبي العالية أن أول
آية نزلت في الجهاد هي الآية 190 من سورة البقرة، وهي {وقاتلوا في سبيل الله
يقاتلونكم}.
(3) روى الحاكم في «الإكليل» أن أول آية
نزلت في الجهاد هي الآية 111 من سورة التوبة: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم
وأموالهم} (روح المعاني)
والقول الأول أرجح وأقوى. (والله أعلم
بالصواب)