{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)}.
ملخص معاني الآية:
أشارت الآية الكريمة إلى أن ملامح وجوه
المنافقين وأجسامهم تُوحي أنهم مسلمون صادقون، وفي الحقيقة لا يَمُتّون إلى
الإسلام بأية صلة، وبما أن إسلامهم ليس إلا إسلاما استعراضيا، لذلك ما من توجيهات
تصدر لإصلاح أحوال عامة المسلمين إلا ظنّوا أن السهام موجّهة إليهم، فعداءهم
للإسلام أكبر من عداء المشركين. (الشيخ أحمد علي اللاهوري رحمه الله)
تصوير المنافقين:
(1) يتمتعون بمظهر خارجي قوي.
(2) يتكلمون بكلام فصيح معسول.
(3) قلوبة فارغة عن الإيمان ومشاعره،
ضعفاء جُبناء مثل الخُشب المسنّدة.
(4) جُبناء، خائفين من الموت، يحسبون كل
نائبة عليهم.
(5) من ألدّ أعداء الإسلام والمسلمين، يُطلعون
المشركين على أسرار المسلمين.
فاحذروهم أيها المؤمنون، قاتلهم الله،
أنّى يُصرفون عن منابيع الهدي والرُشد.
تفسير جامع:
أي قلوبهم متغيرة، أما أجسامهم فهي فخمة
رهبة، لسانهم ذلق، يتكلمون بما يخلب القلوب والعقول، ويلفت انتباه الجميع، فيعجبون
بكلامهم ويضطرون إلى إجابتهم بملاحظة ظاهر كلامهم.
{كأنهم خُشب مسنّدة} لا حياة فيها ولا
عقل، تبدو غليظة قوية، لكنها لا تقوم على سوقها، لا تنفع إلا للوقود، فهذا حال
أولئك الذين لهم أجسام كبيرة تبدو فخمة للناظر، لكنها أجرام خالية عن الإيمان
والخير، لا يتأهلون إلا لأن يصبحوا وقود نار جهنم. (فحال أجسامهم الكبيرة العريضة
كحال الخُشب التي اُسندت إلى الجُدران، لا إيمان فيها ولا شجاعة، لذلك لا ينفعوكم.
(أنوار البيان)
{يحسبون كل صيحة عليهم} أي ضعفاء جبناء،
كلما سمعوا صوتا وضجيجا صاروا مذعورين، ظنوا أن النوائب تكاد تحيط بهم، فهم بسبب
جرائمهم الخطيرة وأعمالهم الوقحة يعيشون في حالة من الخوف والقلق، خاصة من كشف
خباياهم وتدابيرهم السيئة التي يدبّرونها ضد الإسلام والمسلمين، يخافون من أن تجلب
أنشطتهم المعادية الويلات عليهم، (يطاردهم الخوف حيث حلوا ورحلوا لفراغ قلوبهم عن
الإيمان والصدق، أو أن يُطلع الله رسوله والمؤمنين على أحوالهم، فيقوموا بمحاربتهم
كما يحاربون المشركين). (مفهوم بيان القرآن)
{هم العدو} أي هم من أخطر الأعداء،
فاحذروا مكرهم وتدبيرهم السيء. {قاتلهم الله أنّى يؤفكون} أي من الغريب من أحوالهم
أنهم بعد الإقرار بالإيمان كيف يتراجعون عنه، وبعد أن شملهم نور الإسلام وضياءه
كيف يعودون إلى الظلام والجهل. (العثماني)
يُطلعون الكفار على أسرار المسلمين:
وفي تفسير الخازن:
أي لا تأمنهم فإنهم وإن كانوا معك
ويظهرون تصديقك أعداء لك، فاحذرهم فلا تأمنهم على سرّك لأنهم عيون لأعدائك من
الكفار، ينقلون إليهم أسرارك. (الخازن)
وقال القرطبي رحمه الله:
احذرهم، أي لا تأخذ بكلامهم، ولا ترغب
فيه. (القرطبي)
أرجو من أولئك الصحفيين الذين يعدّون
أنفسهم من المسلمين، ثم يُبلغون الكفار أسرار المجاهدين، ويشيرون عليهم بأساليب
وطُرق القضاء على المجاهدين، عليهم أن يخافوا الله تعالى.
ليسوا أكثر من أجرام خالية:
«فهم ذلق اللسان، معسول الكلام، إذا
تكلموا أنصت الناس إليهم، لكنهم أجرام جوفاء، ليس فيها الإيمان. (الحقاني)
لا يغنون المسلمين في شيء:
المنافقون يعدون أنفسهم من ضمن
المسلمين، لكنهم لا يغنون الإسلام والمسلمين شيئا.
وقال البغوي:
«وأراد أنها ليست بأشجار تثمر، ولكنها
خشب مسندة إلى حائط». (معالم التنزيل)
أرجو من أولئك الذين لا يجدون في قلوبهم
هَمًّا وغَمًّا لقضايا المسلمين، ولا يغنونهم في شيء، أن يخافوا الله تعالى.
أناس بدون مشاعر:
كان المنافقون يحضرون مجالس النبي ·،
ويستمعون إلى كلامه البليغ، الذي يلين الحجر، لكنه لم يكن يؤثّر على قلوب
المنافقين، لأنهم كانوا بمثابة خُشب مسنّدة إلى جدار. بدون مشاعر وعواطف، لا تهمهم
إلا أنفسهم، لا يستغنون عن الناس. فيا سبحان الله لاحظوا تشبيه القرآن العجيب. وكم
من مسلمين اليوم إن قرأت عليهم القرآن لساعات، ووعظتهم وذكّرتهم بالآخرة، وشرحت
لهم الظروف التي أحاطت بالمسلمين اليوم، لا يتغيرون ولا يتأثرون بما تقول، يصطفون
بين أيدي سادتهم وكبرائهم كأنهم خُشب مسنّدة إلى جدار، لذلك لا يبدون أي انطباع
عند سماعهم لما تقول، نسأل الله تعالى العافية من موت القلوب. آمين اللهم تقبّل.
(والله أعلم بالصواب)
نكتة عجيبة:
أشار صاحب التفسير المظهري إلى نكتة
عجيبة، فقال: ما من شخص يطارده خوف الموت إلا وتسبب في خلق كارثة، إذ لا يستبعد أن
يقوم بما يشاء لحماية نفسه من الموت، فالمنافقون كانوا يتخوفون من اندفاع المسلمين
نحوهم لقتالهم بعد اطلاعهم على خباياهم، لذلك لا يألون جهدا في إلحاق الأذى
بالمسلمين، فأكّد القرآن على أنهم الأعداء، وعليهم أن يحذروهم. {هم العدو فاحذرهم}
(مفهوم التفسير المظهري).
كلام بركة:
قال الشاه عبد العزيز رحمه الله تعالى
في تفسير هذه الآية الكريمة:
«يبدون رجالا، وهم في الواقع لئام بدون
رجولية». (موضح القرآن)