{سورة الصف مدنية، الآية 5}


{بسم الله الرحمن الرحيم}

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)}.

ملخص معاني الآية:

لقد اُوذي نبي الله موسى عليه السلام كثيراً، آذته بنو إسرائيل، كانوا يعصونه، والله لا يهدي القوم الفاسقين.

فيه درسان مهمان:

(1) ما من امرئ أعرض عن الجهاد وآذى رسول الله ·، إلا وحُرم من الهدي.
(2) بنو إسرائيل آذوا نبي الله موسى، والآن يكفرون بمحمد ·، فاستوجبوا قتالهم.

الربط بين مباحث الجهاد:

لقد أشار أهل العلم إلى وجوه الربط بين هذه الآية والآيات السابقة بطرق عدة، منها:
(1) في الآيات السابقة ذكر فضل الجهاد في سبيل الله، وفي هذه الآية أشار إلى تلك الأسباب التي تستدعي قتال الكفار، كتكذيب الرُسل، ومعارضتهم، وإيذاؤهم، والسعي إلى إطفاء نور الله. (مفهوم بيان القرآن ومفهوم اللاهوري)
(2) في الآية السابقة ذكر الجهاد، والآن يقول: لقد دعا نبي الله موسى وعيسى عليهما السلام قومهما إلى الله، وجاهدا في سبيله، ثم عاقب الله من عارضهما.
«لما ذكر أمر الجهاد بين أن موسى وعيسى أمرا بالتوحيد وجاهدا في سبيل الله، وحل العقاب بمن خالفهما». (القرطبي)
أي أراد تقوية مبحث الجهاد بذكر قصة موسى وعيسى عليهما السلام.
(3) في الآية السابقة ذمّ على ترك الجهاد بقوله {لِمَ تقولون ما لا تفعلون} وفي هذه الآية أراد تأكيده، كأنه قال: أبلغ أولئك الذين يُعرضون عن الجهاد قصة نبي الله موسى وقومه، إذ دعاهم إلى قتال الجبابرة، فعصوا وكفروا بالجهاد، وأصروا على رفضهم، وآذوا موسى كثيرا. (مفهوم روح المعاني)
فالهاربون من الجهاد اليوم يوذون رسول الله ·، شأنهم شأن بني إسرائيل، ذووا الدعاوي العالية، لما دُعوا إلي القتال ظهر كذبهم.

يجب قتال مثل هؤلاء الأشرار:

وفي بيان القرآن:
(1) أراد الإشارة إلى أسباب قتال المشركين، وأوضح أنها هي الإيذاء والتكذيب والمخالفة، وبهذه المناسبة ذكر قصة موسى وعيسى عليهما السلام.
(2) فقال: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} وكانت بأشكال متنوعة {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)} وكذلك هؤلاء يؤذون رسول الله · بمخالفة أوامره بوجوه عدة، فيزداد زيغهم وفسقهم بحيث لا يُرجى صلاحهم، فكانت المصلحة تقتضي الأمر بقتالهم لإزالة شرورهم وفسادهم. (بيان القرآن بحذف وتسهيل)

إشارتان:

(1) مخالفة الرسول تسبب في زيغ القلوب والحرمان من الهدي والنور، فمن خالف رسول الله · ولم يجاهد في سبيل الله، أزاغ الله قلبه، فلا يوفق للإيمان. هذا ما حصل مع المنافقين.
(2) أكّد للمسلمين على أن الجهاد في سبيل الله من أحب الأعمال إلى الله، وهذا الجهاد الذي تقومون به سوف يشمل اليهود والنصارى، الذي ذكرهم الله في هذه الآية. (والله أعلم بالصواب)