{سورة الحشر مدنية، الآية 5}

{بسم الله الرحمن الرحيم}

{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)}.


ملخص معاني الآية:

ما من عملية قام بها المسلمون لإخزاء اليهود، إلا وكانت عملية راشدة، ولم تكن إلا بأمر من الله تعالى، لأنه سبحانه وتعالى يريد أن يُخزي الفاسقين.

سبب النزول:

ففي الصحيح للإمام البخاري رحمه الله تعالى:
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: حرّق رسول الله · نخل بني النضير وقطع وهي البويرة، فنزلت {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله}. (البخاري)
وفيها قال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
وهان على سراة بني لوي             حريق بالبويرة مستطير   (البخاري)

تفسير سهل:

لمّا تحصّنت بنو النضير في حصونهم أذن النبي · بقطع نخيلهم، وإحراق حقولهم، كي يخرجوا من حصونهم ليُدافعوا عنها، ولا تعيق الأشجار طريق الحرب، فقُطعت بعضها وتركوا البعض الآخر، لعلها تعود إلى المسلمين بعد الفتح. فصاح اليهود وقالوا: إنك كنتَ تنهى عن الفساد في الأرض، أو ليس قطع الأشجار من الفساد؟ فنزلت الآية، وأكّدت على أن ما حصل لم يكن إلا بإذن الله، والله لا يأمر بالفساد، فما حصل كان لحكمة أرادها الله تعالى، كما قال تعالى: {وليُخزي الفاسقين} أي يُعزّ المسلمين ويُخزي الفاسقين، فالأشجار التي تُركت على حالها ولم يقطعها المسلمون إنما كان كذلك لينتفع بها المسلمون بعد النصر عليهم، وأما التي قُطعت فكانت لخزي اليهود، ولإظهار آثار انتصار المسلمين، وليزيد الكافرين غيظا إلى غيظهم، لمّا يرون المسلمين يتصرفون فيها كما يشاءون، فصار الوجهان - القطع والترك - مشروعين، إذ وراءهما حكمة ربانية أرادها. (موضح القرآن)

إخزاء العصاة والمتمردين:

قال أهل العلم من المفسرين:
لمّا صرخ اليهود بأن قطع النخيل من الفساد في الأرض، وقع ذلك في قلوب المسلمين، فتردّد أولئك الذين باشروا قطع النخيل، والذين لم يباشروا، تردّدوا فيمن هم على الحق ومن على غيره، فنزلت الآية، وأكّدت على أن ما فعلتموه كان صحيحا وحقا، قال تعالى: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله}.
«فنزل القرآن بتصديق من نهى وبتحليل من قطعها من الإثم». (أحكام القرآن)
وكان الغرض الأصلي هو إكرام المسلمين وتوقيرهم، وتذليل الكافرين وإهانتهم، فمن قطع النخيل فقد أخزى الكفار، ومن لم يقطع فإنه أبقى للمسلمين ما ينتفعون به في الأيام المقبلة.
أما ما يتعلق بمقولة اليهود إن قطع النخيل لم يكن إلا فساداً في الأرض المنهي عنه في الشرائع كافة، فقد ردّ الله عليهم بلفظ الفاسقين، بأن هؤلاء اليهود من العصاة الطغاة المتمردين، وأنه لا فساد أكبر من الطغيان والتمرد. فقد لاحظوا أهمية الأشجار ومنافعها، لكنهم غفلوا عن الغرض الذي لأجله خلق الله الأرض وعمرها، لم يخلق الله شيئا في الأرض إلا لفائدة البشر، ولم يخلق البشر إلا لعبادته، فمن تمرد وعصى ولم يعبد ربه، أخزاهم الله وأذلهم، ولا حرج في إلحاق صنوف العذاب بهم، إذ ذلك لا يخلو من خير أهل الأرض وصلاحهم وفلاحهم. (والله أعلم بالصواب)

مسألة شرعية:

وفي تفسير الخازن:
«احتج العلماء بهذه الآية على أن حصون الكفار وديارهم لا بأس أن تهدم وتحرق وترمى بالمجانيق، وكذلك قطع أشجارهم ونحوها». (الخازن)
وقد بسطها أبو بكر الجصاص رحمه الله تعالى في كتابه «أحكام القرآن» بالأدلة، وقال الآلوسي رحمه الله:
«وحاصل ما ذكره الفقهاء في المسألة أنه إن علم بقاء ذلك في أيدي الكفرة فالتخريب والتحريق أولى، وإلا فالإبقاء أولى ما لم يتضمن ذلك مصلحة». (روح المعاني)

إغاظة أعداء الله:

دلّت الآية الكريمة وغيرها من الآيات على أن إغاظة الكفار والمشركين من الأعمال التي يحبها الله تعالى، ويثب عليها، إذ ذلك لا يخلو عن تنبيههم على أن ما هم عليه من الكفر والشرك ليس إلا خاطئا، وأنه يجر لهم الويل والعار. (والله أعلم بالصواب)

فائدة:


ورد لفظ «لينة» في الآية، ومعناها: النخيل. وقد بسط أهل العلم تفاصيلها في كتبهم، وأشاروا إلى المراد منها، هل هي كل نخيل أم نخيل بعينها من الدرجة العُليا؟ أم نخيل من الدرجة الدُنيا؟ ذكر القرطبي عشرة أقوال، كما ذكر غيره كلاما مبرهنا، وعلى الراغبين في التوسع مراجعة القرطبي والتفسير الكبير والبغوي وابن كثير وروح المعاني