بسم
الله الرحمن الرحيم
{يا أيها النبي حسبُك الله ومن
اتَّبعَكَ من المؤمنين}.
التفسير الميسر:
يمكن أن يكون لها معنيان، الأول: معناها عند
أكثر السلف : يا أيها الرسول! كفاك الله ومن اتبعك من المؤمنين. فلا تجزع ولا تفزع
نظراً لقلة العدد والعُدّة. والثاني: يا أيها الرسول حسبك الله وحده، وجماعة
المؤمنين المخلصين مهما صَغُرت فإنها كافية، كأن هذه الآية بيان وخلاصة لما سبقت:
{أيَّدَكَ بنصره وبالمؤمنين}. (التفسير العثماني)
كلام بركة:
قال الشاه عبد القادر رحمه الله تعالى:
لمّا هاجر النبي · إلى المدينة، أمر بِعَدِّ
المسلمين، فقالوا: ستمائة رجل يصلحون للقتال، ففرح بذلك النبي · وقال: ما علينا أن
نتخوف من المشركين الآن، فنزلت هذه الآية. (موضح القرآن)
فمعنى الآية عند الشاه عبد القادر رحمه الله
أنك أنت أيها النبي يكفيك الله ومن اتعبك من المؤمنين. وهذا الذي اختاره القرطبي،
كما قال:
«قيل : المعنى حسبك الله وحسبك المهاجرون
والأنصار. وقيل: المعنى: كافيك الله وكافي من اتبعك. قاله الشعبي وابن زيد. والأول
عن الحسن واختاره النحاس وغيره. (القرطبي)
دلَّ ذلك على أنه قول الحسن، وهذا الذي أراده
التهانوي في بيان القرآن، كما قال:
«لمّا عُلم أن الله نصرك من الغيب عنده
وبالمؤمنين الذين صدّقوك، دلَّ ذلك على أن الله يكفيك، ويكفيك في الظاهر أولئك
المؤمنين الذين اتبعوك». (بيان القرآن)
وبالتأمل في عبارات المفسرين يبدو صحة
الترجمتين، فلا يخلو ما نسبه العلامة ابن القيم رحمه الله الترجمة الثانية إلى
الخطأ من نظر. (والله أعلم بالصواب)
سبب النزول:
وقال الكلبي: نزلت الآية بالبيداء في غزوة بدر
قبل القتال. (القرطبي)
وقيل: هي مكية، واُدخلت في السورة المدنية
بعدما أمر النبي · به، وعند نزولها لم يتجاوز عدد المسلمين على 39، منهم 33 رجلا
و6 نساء، ودخل عمر في الإسلام فنزلت الآية. وقد رفض القرطبي هذا القول.
راجع لمزيد من التفاصيل تفسير القرطبي والبحر
المحيط والمدارك وغيرها.
ربط عجيب:
وقال الإمام الرازي حول ربطها بما قبلها:
«اعلم أنه تعالى لما وعده بالنصر عند مخادعة
الأعداء، وعده بالنصر والظفر في هذه الآية مطلقا على جميع التقديرات». (التفسير
الكبير)
كفى الله لحزبه:
قال العلامة اللاهوري رحمه الله تعالى:
كفي الله نبيه وحزبه (فلا تعبأ بمعاداة
المشركين) (حاشية اللاهوري).
نكتة:
أكّد الله تعالى في هذه السورة على أن الظفر
والفتح لا يمكن بدون نصر الله وتأييده، وليس بسبب العدد والعُدّة. وفي هذه الآية
يُرشد إلى الطريقة التي تُساعد في استصحاب نصر الله، فقال: نصر الله الكامل مع
نبيه محمد ·، ومع أولئك المؤمنين الذين يتبعونه بالصدق والإخلاص، فيا أيها
المؤمنون! اتبعوا محمداً · بالصدق، وتقلدوا أسوته الحسنة، وعندئذ يكفيكم نصر الله
في محاربة الكفر والشرك في العالم كله. (والله أعلم بالصواب)
بشرى:
وبالتأمّل في هذه الآية توصلنا إلى أن الفتح
والظفر مؤكّد إن تمسَّكَ المسلمون بسنة المصطفى ·، وسيرافقهم نصر الله الكامل
والكافي.
الله ارزقنا اتباع حبيبك محمد ·. آمين يا رب
العالمين