{بسم
الله الرحمن الرحيم}
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينََذِينَ
آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ
كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)}.
ملخص معاني الآية:
(1)
إن خرج المسلمون للجهاد في سبيل الله ونصروا دينه، فإن الله ينصرهم على أعدائهم،
ويُثبّت أقدامهم في ساحة القتال.
(2)
ما من كافر يتصدى لقتال المسلمين إلا خاب وخسر وهلك، وسوف يُبطّل الله كافة
تدابيره وجهوده.
(3)
سبب خيبتهم وخسارتهم وهلاكهم أنهم لا يؤمنون بالقرآن، ولا يقبلون الإسلام، لذلك
رُدّت عليهم أعمالهم.
الربط:
(1)
ثم إنه تعالى لمّا بيّن ما على القتال من الثواب والأجر وعدهم بالنصر في الدنيا
زيادة على الحث ليزداد منهم الإقدام فقال: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله}
الخ (التفسير الكبير).
(2)
أشار في الآيات السابقة إلى أن الجهاد خير في الأحوال كلها، (سواء انتصروا على
العدو حسب الظاهر أو نالوا الشهادة) وفي هذه الآيات أراد الإشارة إلى منافع الجهاد
الدنيوية التي يكتسبها المؤمنون ليرغبوا فيه.. فقال: {إن تنصروا الله ينصركم}.
(بيان القرآن.. مفومه)
(3)
مباحث الآيات السابقة كانت تحتوي على تحريض المؤمنين وتشويقهم وترغيبهم في الجهاد
والقتال، وتلقينهم بأن الواجب على أهل الحق محاربة الباطل بكامل قواهم البدنية
والمالية والعقلية، لا تتبرأ ذمتهم مالم يقوموا بواجب الجهاد في سبيل الله، أشار
في هذه الآيات إلى معايير انتصار المؤمنين ونجاحهم في ساحة القتال وثباتهم
وتقدمهم. (معارف القرآن للكاندهلوي)
أي
لا يمكن أن تتحقق الانتصارات والفتح والنجاح للمؤمنين ما لم يخرجوا للجهاد في سبيل
الله.
(4)
أول السورة تناول بيانا تمهيديا بضرورة محاربة المشركين وأهميتها، ثم أشار إلى بعض
ضوابط القتال، ومنها: أنه لا يجوز التخاذل والتهاون عند احتدام المعركة، بل الواجب
إظهار الشجاعة والبسالة فيها، ويسجّل بطولات رائعة، مرورا على الأشلاء والقتلى
والجرحى، وبعد إعمال السيف فيهم بكثافة، تحين مرحلة أسر من تبقى منهم واستسلم لكم،
حتى تتوقف الحرب ويتوقف النزيف. يجوز لكم في الأسرى المنّ والفداء، فهذه المحاربة
طريقة من طُرق معاقبة الكفّار. وإن شاء الله لعاقبهم واستأصلهم بطريقة أخرى، لكن
سنته هي: أنه يريد ابتلاء الناس بالقتال، لذلك أمرهم به، ليضحّوا بكل ما يملكون من
الغالي والنفيس، فمن قُتل منهم في سبيل الله أعد الله له منازل عالية في الجنة، يوصّلهم
إليها، وعرّفها لهم بواسطة الأنبياء والرسل والكتب. فهذه الآية أيضاً تناولت
الجهاد، ولكنها انتهجت نهجا مختلفا عن الأولى. (معالم العرفان بتسهيل يسير)
والوعد باق إلى اليوم..
وفي
التفسير الحقاني:
يا
أيها الذين آمنوا.. إن تنصروا الله بالجهاد في سبيله - وهو في غنى عن نصركم
ومساعدتكم - فإنه ينصركم في الأعمال كلها خاصة في الجهاد، ويثبّت أقدامكم، ويخذل
الكفار ويرد كيدهم في نحورهم. وقد انطلق أصحاب رسول الله · من هذه الوعود وتحققت لهم
انتصارات عظيمة في معارك حاسمة وفاصلة، وأخضعوا الأعداء لحكمهم. وما من مؤمن يعتزم
نصر دين الله وحمايته في يوم من الأيام إلا وأنجز الله وعده المذكور. من أراد فَلْيُجَرِّبْهُ.
(التفسير الحقاني)
كيف ينصرون الله؟
قال
الإمام الرازي رحمه الله:
فنقول:
المؤمن ينصر الله بخروجه إلى القتال وإقدامه، والله ينصره بتقويته وتثبيت إقدامه،
وإرسال الملائكة الحافظين له من خلفه وقدامه. (التفسير الكبير)
{يا
أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله}.. أي دين الله ورسوله {ينصركم} على عدوكم ويفتح
لكم {ويُثبّت أقدامكم} في مواطن الحرب أو على محجة الإسلام. (المدارك)
معايير فتح المسلمين وانتصارهم وثباتهم:
دلّت
الآية على أن المسلمين إن خرجوا للجهاد في سبيل الله ونصر دينه، فإن الله ينصرهم
ويفتح لهم ويثبت أقدامهم ويخذل أعدائهم ويهزمهم.
واليوم
لم يتقوّى أعداء المسلمين إلا لتخلّيهم عن الجهاد، فهم إن رجعوا إلى الجهاد،
للمسوا الوعود المذكورة في هذه الآيات بعيون مكشوفة، لاحظوا العبارة التالية:
«بعدما
أمر الله تعالى بالجهاد في هذه الآيات أمر بنصر دينه، وأكّد على أن أسرار نجاحهم
وفلاحهم وسعادتهم كامنة فيه، فهم إن رغبوا في العيش الجماعي كأمة لها كيّانها
وثوابتها ولها ميزاتها ومقوماتها، وعاداتها وخصائصها، فما عليها إلا الاهتمام
بإعلاء كلمة الله، ويوجّهوا جهودهم لتحقيقه، يثبتهم الله ببركته، ويجعلوا نُصب
أعينهم بأن السعادة الحقيقية هي سعادة الآخرة، التي أساسها الإيمان والتقوى.
(معارف القرآن للكاندهلوي)
جواب سؤال:
بعض
الناس يقولون اليوم: لا نجاهد إلا إذا تحققنا من نصر الله وتأكدنا منه، أي كأنهم
يريدون أن يشاهدوا النصر قبل الخوض في المعركة رغم تصريح الآية المباركة بضرورة
النزول إلى الساحة حتى يتحقق لهم النصر. فعرفنا أن النصر لا يتحقق بدون النزول
للقتال. وبتعبير آخر: يجب على المسلمين قبل كل شيء الإذعان لحكم الله، والإيمان
بوعده، ثم الخروج للقتال في سبيله، عندئذ ينصرهم الله ويثبّت أقدامهم. اقرءوا هذه
الآية الكريمة مرارا وتكرارا، وراجعوها وتأملوها. فقد بيّن الشاه عبد العزيز رحمه
الله المصلحة القرآنية المذكورة بلفظه التالي:
«لو
شاء الله لجعل الناس كلهم مسلمين، لكنه ليس بمطلوب. والمطلوب ابتلاءهم وامتحانهم،
فالواجب على العبد الهمة والعزم والاستعداد، ومن الله الإنجاز والإتمام». (موضح
القرآن)
فمهمة
العبد البدء في النضال، بأن يخرج للقتال بناء على ما أمره الله به، إن فعل ذلك فإن
الله ينصره ويثبّت أقدامه.
وقال
اللاهوري رحمه الله:
«يا
أيها الذين آمنوا.. إن تنصروا الدين الذي أنزلناه عليكم نصرناكم، ونعلن بإهلاك
الكفار وحبط أعمالهم، وذلك لأنهم يناهضون التعاليم المنزلة من السماء». (اللاهوري
رحمه الله)
وفي
التفسير المظهري:
«أي
إن أنتم نصرتم دين الله ورسوله ·، فإن الله ينصركم على أعدائكم، ويثبتكم في محاربة
الكفار والقيام بحقوق الإسلام». (المظهري)
أي
ببركة الجهاد في سبيل الله يسهّل لكم العمل بالدين.
وفي
التفسير العثماني:
يا
أيها الذين آمنوا... إن تنصروا الله أي دينه ورسوله، ينصركم، ويثبت أقدامكم، أي في
الجهاد ينصركم، فلا تتزلزل أقدامكم، وتثبت على الإسلام والطاعة، وبالتالي تثبتون
على «الصراط» (التفسير العثماني)
تأملوا
العبارات المذكورة، ثم تأملوا مدى حرمان المسلمين من بركات الجهاد وسعادته
بالتخلّي عنه.
حالة الأمن في القلوب:
قال
الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:
أي
إن تنصروا دين الله ينصركم على الكفار نظيره {ولينصرنّ اللهُ من ينصره} (الحج 40)
{ويثبّت أقدامكم} أي عند القتال، وقيل المراد تثبيت القلوب بالأمن، فيكون تثبيت
الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في موطن الحرب. (القرطبي)
فيا
سبحان الله، ما أعظم نعمة وسعادة المشاركة في الجهاد التي لا تخلو من أمنة
وطمأنينة قلبية يلمسها في الجهاد، إذ الشعور بالأمن من إحدى النِعَم العظيمة التي
لا تتوفر لكثير من الناس في بيوتهم ومنازلهم. وقد أورد الإمام القرطبي قولين آخرين
في توضيح تثبيت القدم، وقد سبقا في عبارة التفسير العثماني.
الخيبة والخسران لمن تصدى لقتال المسلمين:
قال
الله تعالى: {والذين كفروا فتعساً لهم وأضل أعمالهم}..
(1)
مصيرهم الهلاك بأيدي المسلمين في الدنيا، وفي الآخرة بالعذاب الشديد. (أنوار
البيان)
(2)
«الذين كفروا فلهم أن يكبوا على وجوههم في النار، ولهم الخزي والهزيمة، ولن تفلح
جهودهم وتدابيرهم للإضرار بالمسلمين، وأن الأعمال التي قاموا بها قد ضلّت، فلا
تُغني عنهم حسناتهم ولا أعمالهم الخيرية، ولا التدابير والمكائد التي اتخذوها ضد
الإسلام والنبي · تنفعهم، فكل ما فعلوه في الدنيا ضاعت وحبطت، ولا يستفيدون منها
في شيء». (معارف القرآن للكاندهلوي)
(3)
جاء لفظ «فتعسا لهم» للكفار، ذكر المفسرون له معاني كثيرة، قال الإمام النسفي:
«وعن
ابن عباس رضي الله عنهما: يريد في الدنيا القتل وفي الآخرة التردي». (المدارك)
وترجمه
شيخ الهند العلامة محمود الحسن بلفظ «الكب على الوجوه»:
«الذين
كفروا فقد كبّوا على الوجوه، وغاب عنهم أعمالهم». (ترجمة شيخ الهند)
وذكر
القرطبي عشرة معاني للفظ «فتعسا لهم»، لاحظوها فيما يلي:
(1)
بعدا لهم، قاله ابن عباس وابن جريج.
(2)
حزنا لهم قاله السدي.
(3)
شقاء لهم، قاله ابن زيد.
(4)
شتما لهم من الله، قاله الحسن.
(5)
هلاكا لهم، قاله ثعلب.
(6)
خيبة لهم، قاله الضحاك وابن زيد.
(7)
قبحا لهم، حكاه النقاش.
(8)
رغما لهم، قاله الضحاك.
(9)
شرا لهم، قاله ثعلب أيضاً.
(10)
شقوة لهم، قاله أبو العالية.
وقيل:
معناه التعثّر والتنزّل. وقال ابن السكين: تعس: أي كبّ على الوجه. (القرطبي).
قدّر
الله الذل والخزي واللعنة والخيبة والخسران والهزيمة لكل كافر قاوم المسلمين الذين
خرجوا لنصر دين الله، اللهم وفّق المسلمين للجهاد لنصر دينك، ليقضوا على جبروت
الكفر وطغيانه. آمين يا أرحم الراحمين.
أسباب خيبة الكفار:
قال
الله تعالى:
{ذلك
بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم}..
كرّر
حبط الأعمال للإشارة إلى أن الكفر مستلزم لضياع الأعمال. (المظهري)
نشاهد
اليوم بعض المثقفين الجدد يتناغمون مع الكفار إذا رأوا تقدمهم الظاهري، والواجب
عليهم أن يتأملوا هذه الآية الكريمة، التي أكّدت مرارا على حبط أعمالهم وضياعها.
(1)
«أي لمّا كرهوا ما أنزل الله، كيف يمكن أن يحب الله ما عملوا؟ وما من عمل يكرهه
الله إلا ويضيع». (العثماني)
(2)
هؤلاء الكفار كرهوا القرآن، فأحبط الله أعمالهم. وذلك لأن صلاح العمل وفساده لا
يُدرك بالعقل، إنما يُدرك بالشرع الذي يُحدّد ذلك، والشرع يُدرَكُ بالقرآن، فمن
رفض القرآن جهل الصالح من غيره من الأعمال، جهل طريقة العمل به، فترتب عليه حبط
الأعمال وضياعها. (التفسير الكبير)
(3)
هم رفضوا التوحيد، فضلّ أعمالهم، لأن الشرك يضيّع الأعمال كلها.
هم
رفضوا ما أنزل الله بشأن الآخرة، فحبطت أعمالهم، إذ لم يكن عملهم إلا للدنيا،
والدنيا فانية. (التفسير الكبير)
تفسير سهل:
لاحظوا
الآن تفسيرا علميا سهلا لهذه الآيات الثلاث:
«وفي
الآيات الآتية أشار إلى منافع الجهاد الدنيوية وفضائله للترغيب إلى أنكم أيها
المؤمنون إن تنصروا دين الله ينصركم، فتنتصرون على أعدائكم، إما من البداية وإما
بعد مُضي وقت، فالنصر حليفكم في نهاية المطاف، ولا تنافيه الهزيمة الآنية التي قد تلحق
بالمؤمنين في بعض المعارك، ثم أشار إلى أنه يثبّت أقدام المؤمنين في القتال، إما
من البداية، وإما بعد إصابتهم بالهزيمة في أوّل الأمر، وينصرهم على أعدائهم. وقد
شوهد ذلك مرارا. إلى هنا كان بيانا لأحوال المؤمنين، أما الكفار فلهم التعس
والهلاك والهزيمة إذا خرجوا لمقاومة المسلمين في الدنيا، وفي الآخرة يحبط الله
أعمالهم، كما أشار إليه في أوّل السورة. فباختصار إن الكفار في الخسارة في الدنيا
والآخرة، وذلك لرفضهم لما أنزله الله تعالى من الأحكام قلباً وقالباً، فأحبط الله
أعمالهم من البداية، لأن الكفر يمثّل قمّة التمرّد، وهذه آثاره». (بيان القرآن
بتسهيل يسير)
التهنئة للمجاهدين:
أكّدت
الآية الكريمة على أن المجاهدين أنصار الله، أنصار دينه، مع أن الله غني لا يحتاج
إلى أحد، فلم يلقّبهم باللقب المذكور إلا من باب التكريم والتنعيم عليهم، والواجب
عليهم أن يحمدوه ويشكروه عليه، وعليهم أن يواصلوا جهادهم مع اليقين الكامل بالمقام
السعيد المذكور ما عاشوا. والله أعلم بالصواب
الابتعاد عن القرآن:
دلّت
الآيات على أن الابتعاد عن القرآن وأحكامه جريمة خطيرة، والواجب على المسلمين أن
يفهموا القرآن ويتأملوه، ويطبقوه على أنفسهم، وينقادوا لكل حكم من أحكامه مع كامل
الحب له. والله أعلم بالصواب
قال
النسفي رحمه الله:
{بأنهم
كرهوا ما أنزل الله} أي القرآن (المدارك).