بسم الله الرحمن الرحيم
{كيف يكون للمشركين عهد عند الله
وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام، فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم،
إن الله يحب المتقين}.
ملخص معاني الآية:
أي كيف يمكن أن يكون للمشركين عهد عند الله
وعند رسوله، إذ هم يعادون الله ورسوله، ويشركون به شيئاً، وينقضون عهودهم
ومواثيقهم كلما عاهدوا، ويعادون المسلمين عداء شديداً، كيف يصلح توفير الأمان لهم؟
أما الذين عاهدهم المسلمون داخل الحرم، فإن استقاموا فاستقيموا، إن المحافظة على
العهود والمواثيق من التقوى، والله يحب المتقين.
لا تتحرجوا في قتل المشركين:
قال النسفي:
استفهام في معنى الاستنكار، أي مستنكر أن يثبت
لهؤلاء عهد، فلا تطمعوا في ذلك، ولا تحدثوا به نفوسكم، ولا تفكروا في قتلهم. (المدارك)
الحكمة من البراءة والقتال:
قال ابن كثير:
يبين الله تعالى حكمته في البراءة من المشركين
ونظرته إياهم أربعة أشهر ثم بعد ذلك السيف المرهف أين ثقفوا، فقال تعالى: {كيف
يكون للمشركين عهد} أي أمان ويتركون فيما هم فيه وهم مشركون بالله، كافرون به وبرسوله.
(تفسير ابن كثير)
تفسير مدهش:
والبعض قال في معنى {عهد عند الله ورسوله} :
كيف يكون للمشركين عهد عند الله ويأمنون به
عذابه غداً. وكيف يكون لهم عند رسوله عهد يأمنون به عذاب الدنيا. (تفسير القرطبي)
وهذا الذي اختاره الدكتور الشهيد عبد الله
عزّام:
«عهد عند الله يحميهم من عذاب يوم القيامة،
وعهد عند رسوله يحميهم من القتال في الدنيا». (في ظلال سورة التوبة)
وملخص التفسير المذكور أن الله يريد تفهيم
المسلمين نكتة مهمة في الجهاد، وهي أنه كيف يمكن للمشركين الذين لا أمان لهم عند
الله ورسوله أن يجدوا رأفة ولينا في قلوبكم. (والله أعلم بالصواب)
{إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام}..
أي باستثناء قليل من المشركين الذين حافظوا على
عهدهم، فعليكم أن تحافظوا عليه. والمراد منهم بنو ضمرة وبنو مدلج، فرعي كنانة، لم
ينقضا العهد. وقيل: المراد منهم قريش وبنو بكر، والمعنى: إن حافظت قريش وبنو بكر
على الصلح الذي أبرمتموه معهم بالحديبية، فحافظوا عليه، لكنهما نقضا العهد بمهاجمة
خزاعة. (والله أعلم بالصواب)
وفيما يلي لاحظوا مزيدا من النصوص التي تُوضّح
الآية الكريمة بشكل أوسع:
موالاة أعداء الله:
كيف يمكن موالاة أعداء الله تعالى؟ أما الذين
عاهدتموهم إن حافظوا عليه، فحافظوا عليه. (حاشية اللاهوري رحمه الله)
أسباب إيذان الحرب:
عرفنا بما سبقت من الآيات أن من لم يخضع للقرآن،
ولم يتخذه دستورا لحياته، فهو من المنشقين، ولاشك أن بقاء المنشقين داخل الدولة
يتسبب في انهيارها، لذلك لا يمكن لحكومة رشيدة أن تتغافل عن تواجد أشرار ومفسدين
والساعين في الفتن، وبناء عليه آذنهم القرآن بالحرب فيما سبقت من الآيات، ثم لم
يترك لهم إلا خيارين: إما أن يدخلوا في الإسلام، أو يغادروا الدولة الإسلامية،
وهنا يشير إلى تلك الأسباب التي استدعت إيذانهم بالحرب؟ والأصل عند الإيذان بالحرب
الإشارة إلى تلك الأسباب كانت وراء القتال. وقد ظهرت ثورة عظيمة بأرض العرب يوم
فتح مكة، وبتغيّر الحكومة يتغير كل شيء، ولمّا يشاهد المشركون أن كل شيء تغير، وأن
زمام الحكم قد آل اليوم بيد أولئك الذين كانوا يزدرون بهم، ويذلونهم، قد يثورون
ويجيش في عروقهم دم الحمية القبلية والعصبية، ويسعون إلى إبادة المسلمين جماعيا،
يزعمون أنهم بذلك قد يستعيدون سلطانهم ومجدهم الضايع، وعند ارتكابهم لهذه الجريمة
لا يرعون في مؤمن إلاً ولا ذمة، وقد تجرّع المسلمون منهم كأس الغدر والخيانة
مراراً، وتأذوا منهم، لذلك لا يجوز لمسلم إقامة روابط الموالاة والمودة بمثل هؤلاء
المعتدين المنشقين، إذ لا أهمية لعهودهم ومواثيقهم عند الله ورسوله، ويستثنى منهم
من حافظ على الوعود، وهم بنو ضمرة وبنو مدلج». (تفسير الفرقان)
حكمة إعلان البراءة:
البراءة التي سبق الإعلان عنها في الآيات
السابقة، يُشير هنا إلى حكمتها، والمعنى أن هؤلاء مشركي العرب كيف يمكن لهم رعاية
العهود والمواثيق، وكيف يمكن المصالحة معهم، لقد رأيتموهم يؤذونكم إذا غلبوا
عليكم، فهم لا يرعون في مؤمن إلاًّ ولا ذمةً، وبما أنهم عجزوا عن بسط سلطانهم
عليكم، لذلك يرغبون في إرضاءكم بوعود شفهية، غير نابعة من قلوبهم، وقد ظلوا يبحثون
عن فُرص تمكنهم من الغدر والخيانة، جُبل أغلبهم على الغدر والخيانة، ولا عبرة
بمحافظة بعضهم على وعودهم إن كان معظمهم لا يحافظون عليها، وعلى كل حال لا يمكن
لله ورسوله أن يعاهد قوما خائنا غداراً. أما القبائل التي عاهدتموها عند المسجد
الحرام، فلا تنقضوا عدها إن استقاموا عليه، واستقيموا معهم إن استقاموا، واحذروا
من أن تفرطوا في أمر تافه، فيشيعوا الغدر والخيانة عنكم، والله يحب الذين يخافونه.
وبما أن بني كنانة حافظت على عهدها، لذلك أتم المسلمون معهم العهد إلى مدته، وكانت
تسعة أشهر قد بقيت عند إعلان البراءة، فحافظوا عليها». (التفسير العثماني)