{سورة التوبة مدنية، الآية 71- 72}

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)}.

ملخص معاني الآية:

(1) المؤمنون والمؤمنات فيما بينهم جماعة واحدة، متعاونة ناصرة ناصحة، كذلك الكفار والمنافقون فيما بينهم على مشرب واحد، وضدهم جماعة المؤمنين، أخرجها الله تعالى لتبليغ الدين والخير، ومحو الكفر والمعاصي.
(2) جماعة تقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أعلى مراتبهما الجهاد في سبيل الله.
(3) الفرق بين المؤمن والمنافق في خمسة أمور: المنافق يدعو إلى الشر ويمنع من الخير، ويتكاسل في الصلاة، ويبخل بالزكاة، ويتخلف عن الجهاد، وإذا قيل له: اُخرج في سبيل الله، تثاقل ومنع الآخرين من الخروج، أما المؤمن فعكسه تماما، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويجاهد في سبيل الله. (البحر المحيط).
(4) المنافق يستفيد بنعيم الله طليقا من الدين، والمؤمن يُضحّي بكثير من نعمه وخيراته لأجل دينه والجهاد في سبيله، لذلك وعده الله تعالى الجنة ونِعَمِها الجليلة الخالدة، وأكبر من ذلك كلها رضوان الله يكرمهم الله به، ذلك هو الفوز الكبير.
المؤمنون كجسد واحد:

وفي تفسير الفرقان:

«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه». (رواه البخاري)
وقال النبي ·: فيما أخرجه مسلم:
«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى». (رواه مسلم)
المسلمون مثل الجسد الواحد في تعاطفهم وتراحمهم، إذا اشتكى عضو منه، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى، يفضّلون أصول الأعمال على الفروع، من أهم مسؤولياتهم المحافظة على القرآن، يذودون عن حياض الإسلام بالجهاد، يُعزهم الله في الدنيا، وهو قادر على كل شيء. وبما أن أكبر نعمة للمخلصين الأوفياء هي رضوان الله تعالى، لذلك أشار إلى أنه سوف يكرمهم برضوانه، كما جاء ذلك في حديث.
«إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطه أحدا من خلقك. فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا ربنا وأي شيء أفضل من ذلك، قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا». (رواه البخاري) (تفسير الفرقان، بتسهيل يسير)
التمييز بين المؤمن والمنافق في أمور خمسة:
قال الإمام أبو حيّان الأندلسي رحمه الله: إن الآية الكريمة حدّدت ميزات المؤمن الخمس التي يتميز بها عن المنافقين، وهي:
(1)       فالمنافق يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف.
(2)       ولا يقوم إلى الصلاة إلا هو كسلان.
(3)       ويبخل بالزكاة.
(4)       ويتخلف بنفسه عن الجهاد.
(5)       وإذا أمره الله تثبّط وثبّط غيره.
والمؤمن بضد ذلك كله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والجهاد، وهو المراد في هذه الآية بقوله: {ويطيعون الله ورسوله}. (البحر المحيط).
قال الإمام الرازي رحمه الله:
والمنافق إذا أمره الله ورسوله بالمسارعة إلى الجهاد فإنه يتخلف بنفسه ويثبط غيره، كما وصفه الله بذلك، والمؤمنون بالضد منهم، وهو المراد في هذه الآية بقوله: {ويطيعون الله ورسوله}. (التفسير الكبير)

نكتة مهمة:

فيما سبق أشار إلى صفات المنافقين، وهي تؤكد على أنهم يشكّلون خطراً للإسلام والمسلمين، يسعون إلى نشر المنكر الذي هو الكفر والشر بكل ما لديهم من إمكانيات، وإلى النهي عن المعروف الذي هو الإسلام. وهنا يتساءل أحد: كيف يمكن مقاومة هذه الفتنة المتسترة بستار الإسلام؟ التي لا تألُ جهدا في استئصال المسلمين من جذورهم، أشار في الآية الكريمة إلى جوابه، وأكّد على أن المؤمنين والمؤمنات جماعة واحدة مؤمنة متحاببة متناصرة، من واجباتها:
(1) القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (2) إقامة الصلاة (3) إيتاء الزكاة (4) الجهاد في سبيل الله.
فإن فعلوا ذلك رحمهم الله، ويحميهم ويكرمهم، {إن الله عزيز حكيم} أما ما تصيبهم من شدائد ومحن فإن الله يعوضهم عنها بنعيم الجنة ولذائذها، ويكرمهم برضوانه، وذلك هو الفوز العظيم. (والله أعلم بالصواب)

طائفتان مختلفتان:

بما أن المؤمنين يمتازون عن المنافقين، لذلك يجب على المؤمنين أن ينفصلوا عن المنافقين، ولا ينفعلوا بهم، وهذا أحد مقاصد هذه الآية الكريمة، كما قال صاحب التفسير الماجدي:
«قال أهل العلم من الفقهاء وغيرهم: في ضوء الآية الكريمة تشكلت طائفة مستقلة للكفار والمنافقين، وطائفة للمؤمنين، فلا يكن تعاملكم مع المنافقين والمشركين من التراحم والتوادد مثل تعاملكم مع المؤمنين، ولا تعاملكم مع المؤمنين من الشدة والغلظة مثل تعاملكم مع المشركين، ومن هنا قال الفقهاء: دلت الآية على عدم جواز إلحاق الأذى بمسلم بيد أو بلسان». (بتسهيل يسير للماجدي)
رضوان الله أكبر نعمة:
«لاشك أن الله يُنعم على عباده في الجنة بجميع النِعم البدنية والروحية، لكن رضوان الله الأبدي سيكون أكبر نعمة». (التفسير العثماني)

فائدة:

يجب على المسلمين أن يقرءوا هذه الآية ليتذكروا نعيم الجنة وما أعد الله فيها للمؤمن من قصور فاخرة، حتى تميل قلوبهم إليها، وهذه من إحدى وسائل الوقاية من النفاق، كما يجب عليهم أن يتأملوا رضوانه بتذكّر نِعَمه ووداده، ليدركوا المرحلة التي يقول الله تعالى فيها: يا عبادي، لقد رضيت بكم. ذكر ابن كثير والمظهري في تفسيريهما مشاهد عجيبة رائعة للجنة وأحوالها، وعلى الراغبين مراجعتهما.