بسم الله الرحمن الرحيم
{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ (78)}.
ملخص معاني الآية:
(1)
بيان للصنف الخامس ممن استثنوا أنفسهم من الجهاد
(أي المتخلفين)، الذين قالوا: لو كنا نملكنا عدة الحرب لخرجنا في سبيل الله، فإن
وجدوا العدة تخلفوا وما خرجوا، واشتغلوا بجمع المال. (معنى تحقيق اللاهوري)
(2) المنافقون
يعاهدون الله، ثم لا يوفونه.
(3) المنافقون
طمّاعون للمال، يبخلون في تأدية حقوقه.
(4) ما من منافق
عاهد الله ثم خانه، إلا وقوي نفاقه، ولم يوفق للتوبة.
(5) المنافقون
يعتمدون على قواهم العقلية ومشاوراتهم السرية بشأن الأنشطة التي يقومون بها، ألا
يعلمون أن الله يعلم سرهم ونجواهم، وأنه عالم بالغيوب.
الهاربين
من الجهاد:
جاء في التفسير الفرقان:
«إلى هنا كان بيانا لأصناف عدة من
الناس الذين يسعون إلى التخلف عن الجهاد، وآخرهم هؤلاء المنافقين الذين يعاهدون
الله تعالى أنه إن أعطاهم مالا عظيما، أنفقوه في سبيل الله، وأصلحوا أحوالهم، لكنهم
إن وجدوا مالا بخلوا به، ونقضوا عهدهم، وقضوا حياتهم في الكذب، فظلوا يطاردهم خوف
غيبي، يقولون: قد يهلكنا الله بعذاب من عنده. لاشك أن أنشطتهم غير خافية على الله،
أما المسلم فقد باع كل ما كان يملكه من ربه.
قال الله تعالى: {إِنَّ
اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ } (التوبة 111).
هذه
الآية نزلت في عدد من المنافقين:
قال القرطبي رحمه الله:
قال الضحاك: إن الآية نزلت في رجال
من المنافقين منهم نبتل بن الحارث وجدّ بن قيس ومعتب بن قشير. (القرطبي)
وقال القرطبي عن قصة ثعلبة بن حاطب
في سبب النزول:
«قلت: وثعلبة بدري أنصاري، وممن
شهد الله له ورسوله بالإيمان حسب ما يأتي بيانه في أول الممتحنة، فما روي عنه غير
صحيح. قال أبو عمر: ولعلّ قول من قال في ثعلبة أنه مانع الزكاة الذي نزلت فيه
الآية غير صحيح. والله أعلم (القرطبي)
ذكر معظم أهل العلم قصة ثعلبة بن
حاطب في سبب نزول الآية، أما في هامش تفسير القرطبي فقد جاء فيه أن سند القصة ضعيف
جدا ومتروك. والله أعلم بالصواب
حكم الآية عام:
وفي التفسير الماجدي:
«ذكروا شخصا معينا في سبب نزول
الآية الكريمة، لكنها لا تكون مقيدة بالقصة، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص
السبب». (التفسير الماجدي)
عقوبة
مخالفة الوعد مع الله:
«ترتب على ما يفعلون مع الله من
إخلاف الوعد الصريح والمداومة على الكذب ترسيخ النفاق في قلوبهم بحيث لا يوفقون
للتوبة، ولا يفارقونه قبل الموت، وهذه هي سنة الله في خلقه، ما من رجل اختار عادة
سيئة أو حسنة إلا وترسخت في الذهن بكثرة الممارسة والعمل، والمداومة على العادة
القبيحة يُعبَّر عنها بلفظ الطبع على القلب». (التفسير العثماني)