{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)}.
ملخص معاني الآية:
وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف (بأن خرجت
كتيبة من المسلمين للقتال في سبيل الله، فجاءهم الخبر بانتصارهم على عدوهم، أو
انهزامهم) أذاعو به، نشروه بين الناس، وقد يظهر بطلان الخبر فيما بعد. ثانياً لو
كان الخبر صحيحا لم يكن من الأصلح نشره بين الناس من الناحية التنظيمية، فلو أنهم
عرضوه على الرسول وذوي الرأي من المؤمنين، لاستطاعوا التوصّل إلى مغزى الخبر
وحقيقته، وأمكن لهؤلاء الذين يبثّون الخبر أن يعملوا بما عمل به الرسول والمؤمنون،
ما الذي دعاهم إلى التدخّل فيما لا يخصّهم، وما الذي يعرقل سير عمل المسلمين إن لم
يتدخل هؤلاء؟ ولو لا فضل الله عليكم ورحمته بإرسال الرسول وإنزال القرآن لاتبعتم
الشيطان إلا قليلاً. (معنى ما ورد في بيان القرآن)
الأقوال
والمراجع:
(1) من
كان هؤلاء؟
قولان للمفسرين:
فقيل هذا من ضعفة المسلمين عن الحسن. وقال
الضحاك وابن زيد: هو في المنافقين. (القرطبي)
وعند الرازي أنها نزلت في المنافقين:
«اعلم أنه تعالى حكى عن المنافقين في هذه الآية
نوعا آخر من الأعمال الفاسدة». (التفسير الكبير)
كان المسلمون يتضررون من نشر الشائعات
والأكاذيب بشأن الفتح أو الهزيمة، الأمن أو الخوف.
وقد عدّ الرازي تلك الأضرار، وهي:
اعلم أنه تعالى حكى عن المنافقين في هذه الآية نوعا
آخر من الأعمال الفاسدة ، وهو أنه إذا جاءهم الخبر بأمر من الأمور سواء كان ذلك الأمر
من باب الأمن أو من باب الخوف أذاعوه وأفشوه ، وكان ذلك سبب الضرر من وجوه :
الأول : أن مثل هذه الارجافات لا تخلو عن الكذب
الكثير .
والثاني : أنه إن كان ذلك الخبر في جانب الأمن زادوا
فيه زيادات كثيرة ، فاذا لم توجد تلك الزيادات أورث ذلك شبهة للضعفاء في صدق الرسول
عليه السلام ، لأن المنافقين كانوا يروون تلك الارجافات عن الرسول ، وإن كان ذلك في
جانب الخوف تشوش الأمر بسببه على ضعفاء المسلمين ، ووقعوا عنده في الحيرة والاضطراب
، فكانت تلك الارجافات سببا للفتنة من هذا الوجه .
الوجه الثالث : وهو أن الارجاف سبب لتوفير الدواعي
على البحث الشديد والاستقصاء التام ، وذلك سبب لظهور الأسرار ، وذلك مما لا يوافق مصلحة
المدينة .
الرابع : أن العداوة الشديدة كانت قائمة بين المسلمين
وبين الكفار ، وكان كل واحد من الفريقين في إعداد آلات الحرب وفي انتهاز الفرصة فيه
، فكل ما كان آمناً لأحد الفريقين كان خوفا للفريق الثاني ، فإن وقع خبر الأمن للمسلمين
وحصول العسكر وآلات الحرب لهم أرجف المنافقون بذلك فوصل الخبر في أسرع مدة إلى الكفار
، فأخذوا في التحصن من المسلمين ، وفي الاحتراز عن استيلائهم عليهم ، وإن وقع خبر الخوف
للمسلمين بالغوا في ذلك ، وزادوا فيه وألقوا الرعب في قلوب الضعفة والمساكين ، فظهر
من هذا أن ذلك الارجاف كان منشأ للفتن والآفات من كل الوجوه ، ولما كان الأمر كذلك
ذم الله تلك الاذاعة وذلك التشهير ، ومنعهم منه . (التفسير الكبير)
(2)
الأمر مرتبط بالقتال:
وفي تفسير الجلالين:
وإذا جاءهم أمر عن سرايا النبي · بما حصل لهم.
وقال القرطبي:
والمعنى أنهم إذا سمعوا شيئا من الأمور فيه أمن
نحو ظفر المسلمين، وقتل عدوهم، أو الخوف، وهو ضدّ ذلك. (القرطبي)
(3)
أصل مهم لجماعات المجاهدين:
لقد برزت جماعة المسلمين من أول يومها بشكل
منتظم، أو شبه عسكرية، ونشر خبر بمجرد سماعه بدون التثبّت منه وردّه إلى القادة
وذوي الرأي منهم يعارض مع طبيعة كل عمل منتظم أو جماعة عسكرية.
فائدة:
لقد ناقش العديد من المفسرين مسألة الاجتهاد
والتقليد تحت هذه الآية الكريمة، وعلى الراغبين مراجعة كتبهم.
ملحوظة:
دلت الآية على مجموعة من الضوابط والقواعد
للجهاد والجماعة، بل فيها مجمل منظومة الإعلام والنشر. لو تعرضت جماعة المسلمين -
لا قدّر الله - لهزيمة فإن المنافقين يسعون إلى بث الشائعات والأكاذيب والأخبار
المحزنة ما تجعل بقية الجيش تفقد وعيها، لذلك أوضحت الآية للمسلمين أنه من الواجب
عليهم السيطرة الكاملة علي الأراجيف والشائعات والأخبار الملفقة، ومنعها من
الانتشار، ليؤدّي إلى ضعف التعبئة العامة ضد الجهاد التي يقوم بها المنافقون
والجبناء. كما أنها شملت توجيهات بشأن وقاية الجماعة من الكذب والأخبار الملفقة،
والمحافظة على الأسرار الوطنية والحزبية، وإنشاء قسم خاص بالعلماء والمحققين الذي
يقرّر الخبر الذي يُسمح بنشره والذي لا يسمح بنشره، وتعميم ما يصلح للمسلمين، ومنع
ما يضرهم، أو الرد على ما يضر الجماعة أو الجهاد.
وفي نهاية الآية أوضحت أن المسلمين بحاجة إلى الهدي
والإرشاد بصفة دائمة، إن قصّروا في الاهتداء بهدي القرآن وتعاليم الرسول ·، ضلَّ
أكثر أفرادهم. كما قال الشاه عبد القادر رحمه الله:
ومعنى قوله تعالى: {ولو لا فضل الله عليكم
ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} أي لو لم تصلكم الأحكام التربوية بصفة دائمة
لما بقي منكم على الحق إلا قليلاً. (موضح القرآن)
لاشك أن كل إنسان على العموم، والمجاهدون على
الخصوص بحاجة إلى الهداية والرشد والتربية والتذكير والتعليم. وبها يصلح القلب،
وإلا عمل الشيطان عمله. وباختصار دلت الآية المباركة على وصفة ناجحة بشأن جماعة
المسلمين والنجاح في الجهاد. اللهم وفقنا جميعا للعمل بها. (آمين) (والله أعلم
بالصواب)
فائدة:
قال الشيخ أحمد علي اللاهوري رحمه الله:
فيما سبق كان بياناً لدرجة من درجات طاعة
الرسول، وهي أنه · إن أمرهم بخوض غمار الموت، فما عليهم إلا السمع والطاعة. والآن
يشير إلى من يتأهّل لأن يكون من أولي الأمر؟ وبما أن معنى الآية هو أنه يجب على
السامع أولاً أن يعرض الخبر على من يقدر الاستنباط، فإن رآه صالحا للنشر، أذن
بنشره، وإلا منعه من الانتشار. فالقادر على الاستنباط هو ولي الأمر. إلى هنا كان
تكميلا للتعليم المذكور، لذلك بدأ بالأمر بالقتال من الآية القادمة. (حاشية
اللاهوري رحمه الله)
أي الحكم الصريح بالقتال من جديد يأتي في الآية
التي تلي، كما سبق الحكم المذكور صراحة وتأكيدا ببعض الآيات التي سبقت عليها، وفي
الوسط تناول بعض مباحث الجهاد المهمة. (كما في بيان القرآن)