{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84)}.
ملخص معاني الآية الكريمة:
(فبعد أن اتضحت الحاجة إلى الجهاد، وعند
إمكانية عدم خروج بعضٍ للجهاد) قم أنت يا رسول الله بالجهاد في سبيله، (فإن لم
يستعد أحد للخروج معك، فلا تعبأ به، لأنك) لستَ بمسؤول عن أعمال غيرك، وحرّض
المؤمنين على الجهاد، (ثم إن لم يخرج أحد فإن وباله عليه، أما أنت فقد برئتْ ذمتك
منه، وحسابه على الله، ولا تغتمّ على تفرّدك) لأن الله قد وَعَدَ أنه يكُفُّ بأس
الذين كفروا، وأنه ينصركم عليهم، (فالكفار يبدون أقوياء) لكن الله أشد منهم بأساً
وأشد تنكيلاً. (مفهوم بيان القرآن)
الأقوال والمراجع:
(1)
أيها النبي قاتل أنتَ وحدك في سبيل الله:
لما نزلت هذه الآية قال النبي · «لأقاتلنهم حتى
تنفرد سالفتي»، ثم خرج إلى بدر الصغرى يرافقه سبعون من أصحابه للقاء أبي سفيان على
ميعاده يوم اُحد. وقد سبق ذكره في أول السورة.
«ولقد ألقى الله تعالى الرُعب في قلب أبي سفيان
والمشركين، فلم يصل إلى بدر على الميعاد، ولم يفِ بما وعد، وقد كفّ الله بأس العدو
كما وعد، فعاد النبي · إلى المدينة مع أصحابه بخير وعافية». (التفسير العثماني)
(2)
وجه ارتباط الآيات الجهادية:
كانت بداية مباحث الجهاد أول السورة، تداخلتها مباحث
متنوعة تتوافق معها، ثم الآن عاد إلى المبحث المذكور من جديد، وخاطب النبي ·
للجهاد بعنوان مختلف، وله صلة بالمباحث المتداخلة باعتبار مّا. حيث تُشير كلمة {لا
تكلف} إلى أن البعض قد تكاسلوا في الجهاد، لسوء العقيدة في المنافقين، والخوف
الطبيعي وضعف الهمة لدى ضعفاء المسلمين، وقد سبقت التفاصيل. (بيان القرآن)
هذا الذي ذكرناه يتطابق مع ما ذكره الرازي في
الموضوع:
«اعلم أنه تعالى لما أمر بالجهاد، ورغّب فيه
أشد الترغيب في الآيات المتقدمة، وذكر في المنافقين قلة رغبتهم في الجهاد، بل ذكر
عنهم شدة سعيهم في تثبيط المسلمين عن الجهاد، عاد في هذه الآية إلى الأمر بالجهاد،
فقال {فقاتل في سبيل الله} (التفسير الكبير)
(3)
المتطابقة مع تنبّوءات الكتب السابقة:
ذكر في الآية السابقة أن المنافقين يشيعون
الأخبار دون أن يتبيّنوا من صدقها، يقولون: إن قوماً من العدو سائر إليكم. لقد
ألّبوا القبائل للغارة على المدينة. فيقلق بها عامة المسلمين، وتتسبب في إضعاف
همتهم كما هو المعتاد في حالات ضعف الإمكانيات المادية وقوة العدو، لذلك أمر الله
نبيه بالقتال في سبيله، والتشمير عن ساعديه للقضاء على الشرور والفتن والقتال في
سبيل الله، وإن لا يعبأ بتخلفهم عنه، لأننا لا نُكلّف إلا نفسك.
وقد استعد النبي · لقتال الكفار والمشركين في
العالم وحيدا إيمانا بوعد الله تعالى، حيث خرج بنفسه الشريفة إلى بدر الصغرى للقاء
أبي سفيان كما وعد، ونظر إلى من كان معه، فوجدهم سبعين رجلاً. وبما أن في كتاب
يسعيا كانت الإشارة إليه، ومثله في الزبور، كما كانت لعزيمته الصادقة أثراً على
قلوب الصحابة، خاصة على قلب أبي بكر رضي الله عنه، إذ جابهت جماعة متواضعة من
العرب هرقل عظيم الروم، الدي تخضع له بلاد أوروبا ومعظم بلاد آسيا، إن لم تكن هذه
الفتوح نماذج لوعد الله المذكور فما هي؟ إضافة إلى ذلك فإن فيها اُمِرَ المسلمون
بالقتال، لأنه عمل صالح، إذ الغرض منه تطهير الأرض من وجود الشر، وإقامة الحكم
السماوي على الأرض، ومحو الشر والفساد، فهل هناك عمل أفضل منه؟ (التفسير الحقاني)
(4)
كان النبي · أشجع الناس:
لقد أشار الإمام الرازي رحمه الله تعالى إلى
نكتة رائعة تحت هذه الآية الكريمة، فقال :
دلت الآية على أنه · كان أشجع الخلق وأعرفهم
بكيفية القتال، لأنه تعالى ما كان يأمره بذلك إلا وهو · موصوف بهذه الصفات، ولقد
اقتدى به أبو بكر رضي الله عنه حيث حاول الخروج وحده إلى قتال مانعي الزكاة، ومن
علم أن الأمر كله بيد الله، وأنه لم يحصل أمر من الأمور إلا بقضاء الله، سهل ذلك
عليه. (التفسير الكبير)
(5)
مسؤوليات رسول ·:
{وحرّض المؤمنين}.. قال الإمام الرازي رحمه
الله:
والمعنى أن الواجب على الرسول عليه الصلاة
والسلام إنما هو الجهاد وتحريض الناس على الجهاد، فإن أتى بهما فقد خرج عن عُهدة
التكليف، وليس عليه من كون غيره تاركا للجهاد شيء. (التفسير الكبير)
فائدة:
لقد كُلّف النبي · بأمرين: (1) أن يقاتل بنفسه
(2) أن يدعو الناس إلى القتال.
فقام بهما أحسن قيام، واستمر عليهما حتى فارق
الدنيا، إذ وجّه جيشا إلى الأعداء أيام وفاته. وفيها دلالة على أن من مسؤوليات
ورثته من العلماء إحياءهما، والاجتهاد فيهما وتسخير كافة قواهم البدنية والعقلية
لأجلهما. (والله أعلم بالصواب)
فائدة:
لقد أمر الله رسوله بتحريض الناس على الجهاد،
فدعا الناس إلى الجهاد إلى يوم القيامة، فاستجاب له السعداء، ورفضه المنافقون
الأشقياء، فدعوة رسول الله · هذه وتحريضه يشمل المسلمين اليوم، فليُراجع كل امرئ
أحواله وظروفه، وليسأل نفسه كم عمل بدعوة رسول الله ·؟ وبماذا ردّ عليها؟ وليعلم
الجميع أنه · رسول الجميع وقدوة الأمة بأسرها، ولم يُبعث إلى أفراد زمانه فقط.
(والله أعلم بالصواب)
(6)
التحريض القوي على الجهاد:
الحرض: الحثّ على شيء بذكر محاسنه ومناقبه
مرارا وتكرار، أي الدعاية الصادقة.
التحريض: الحث على الشيء بكثرة التزيين وتسهيل
الخطب فيه. (راغب)
وسوف يأتي التحقيق الكامل لكلمة التحريض في
سورة الأنفال.
(7)
كيف يجب أن تكون مشاعر الناس؟
قال الإمام أبو حيان نقلا عن ابن عطية:
أنت يا محمد وكل واحد من أمتك القول له. {فقاتل
في سبيل الله} ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يستشعر أن يجاهد ولو وحده، ومن ذلك قول
النبي ·: «لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي» وقول أبي بكر وقت الردة: ولو خالفتني يميني
لجاهدتها بشمالي. (البحر المحيط)
(8) تقرير القرطبي رحمه الله:
قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى:
{فقاتل في سبيل الله}
«كأنّ هذا المعنى: لا تدع جهاد العدو والانتصار
عليهم للمستضعفين من المؤمنين ولو وحدك، لأنه وعده بالنصر، قال الزجاج: أمر الله
تعالى رسول الله · بالجهاد وإن قاتل وحده، لأنه قد ضمن له النصرة. قال ابن عطية:
هذا ظاهر اللفظ، إلا أنه لم يجئ في خبر قط أن القتال فرض عليه دون الأمة مدة ما،
فالمعنى والله أعلم أنه خطاب له في اللفظ، وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة
نفسه: أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك القول له {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا
نفسك} ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يجاهد ولو وحده. ومن ذلك قول النبي ·: «والله
لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي» وقول أبي بكر وقت الردة: «ولو خالفتني يميني لجاهدتها
بشمالي». (القرطبي)
(9)
الوعد بكف بأس الذين كفروا:
في الجزء الأول من الآية أمر بالجهاد والدعوة
إليه، بأن قاتل في سبيل الله، وحرّض المؤمنين على القتال، وفي الجزء الثاني منها
قال: إن الله يكف بأس الذين كفروا بفضل الجهاد والدعوة إليه، ويقضي على قوتهم،
وينصركم عليهم. فدلت الآية على أن الكفار إن أقدموا على قتال المسلمين، فليس طريق
دحر قوتهم أن يقبل المسلمون الضغوط، ويخفضوا رؤوسهم إذعاناً لمطالب الكفار. بل
الطريق الصحيح هو أن يكون الأمير في مقدمة من يخرج، ثم يدعو الناس إليه، وبه يمكن
دحر قوة الشرك والكفر، وينهزمون. فيما يلي لاحظوا نص تقرير الحقاني:
«{عسى الله} فيها وعد رسوله بكف بأس الكفار في
قريب، لذلك لم تبق على وجه الأرض دولة وثنية أو كافرة تقدر على تهديد الدولة
السماوية خلال مائة سنة بفضل تحريض رسول الله · ووعد الله تعالى، بدايةً من منطقة
جبل الطارق في أسبانيا إلى الصين، من سلسلة جبال القفقاز إلى آذربائيجان، وإلى
إفريقيا، انضمت دول كبيرة وحكومات عظيمة إلى الراية التي رُفعت بالمدينة المنورة
خفّاقة. (التفسير الحقاني)
وقال صاحب التفسير الماجدي:
«لقد تحقق ما أخبر عنه القرآن في المستقبل
القريب والبعيد، فالأعداء المناوئون له من قريش قد تم القضاء عليهم في عهده ·، أما
الحكومات الجليلة الباهرة في أدنى الأرض وأقصاها فقد سقطت على أيديهم بشكل تدريجي،
وقد سبق أن أشرنا إلى أن كلمة (عسى) إذا وردت في كلام الله تعالى فليس الغرض منها
الرجاء والتوقع، بل المراد منها الوعد واليقين.
عسى من الله واجب (ابن عباس رضي الله عنهما)
اطماع، والأطماع من الله واجب. (القرطبي) (التفسير الماجدي)
(10)
العذاب الشديد على ترك الجهاد:
{والله أشد بأسا وأشد تنكيلا} أحد معانيه ما
سبق في ملخص معاني الآية الكريمة. وإلى المعنى الثاني يشير ما ذكره صاحب التفسير
العثماني:
«أي عذاب الله وتنكيله أشد من قتال الكفار، فمن
يخاف قتال الكفار وقتلهم والقتل بأيديهم، كيف يمكنه الصبر على غضب الله وعذابه».
(التفسير العثماني)
ملخص المباحث :
إلى هنا كان بيانا للتفسير المختصر للآية
المباركة، والآن نظرة عابرة على أبرز مباحثها:
(1) {فقاتل في سبيل الله} دلت على أن الجهاد
حكم إسلامي وقرآني، وأن الله أمر فيها نبيه بالخروج، ومن هنا عرفنا وجوب حب الجهاد
في سبيل الله. إن لم يكن رسول الله مستثنى من الجهاد، فمن يُستثنى منه؟ فهل هناك
أحد أغلى وأعلى منه ·؟ وهل هناك شخصية أخرى تحتاج الدنيا إليها مثل حاجتها إلى
رسول الله؟ ومن كان يقوم بأعمال الدين أكثر منه، أو يقدر عليه؟ وهل هناك نفس أزكى
منها وأطهر؟ ورُغم كل ذلك أمره الله تعالى بالخروج للجهاد، مع أنه كان أحب أنبياء
الله. ثم إن النبي · ما لبث أن قام للجهاد فور سماعه الحكم. ففي عمله درس عظيم
للمؤمنين.
(2) {لا تكلف إلا نفسك} ومعناها كما قال أكثر
أهل العلم: اخرج أنت وحدك للقتال، سواء خرج معك أحد أم لم يخرج. الله أكبر، ما
أعظم فريضة الجهاد وحكمه، حتى أمر نبيه بإحياءه وحده إن لم يرافقه أحد، مع أن
الجميع يعلمون أن الجهاد عمل جماعي، وأن القتال بحاجة إلى أفراد، لكن الله يأمره
بالخروج وحده، فهذه الآية كافية لتوضيح أهمية الجهاد وتوكيده. لم يأمر الله به إلا
لبقاء الإسلام والمحافظة على المسلمين. ثم حرّض بهذه الآية الكريمة نبيه وكل شخص
من أمته على القيام به ولو وحده، وعدم الخنوع أمام الكفر لقوته وضعف المسلمين.
وهذا هو الحماس الذي أعلى المسلمين في كل عصر وزمان، وحافظ على الحدود الإسلامية،
نسأل الله أن يُلقي في قلوبنا هذا الحماس وهذا الاندفاع نحو الجهاد أفراداً
وجماعات، إذ نشعر بالضعف فيه، وبُعد الآية هو أنها تطالب كل شخص بالسعى إلى إحياء
فريضة الجهاد بصفته مسؤوليته الشخصية، وليس مسؤولية غيره من الأشخاص.
(3) {وحرّض المؤمنين} في هذه الجملة الموجزة
جمع الله تعالى منظومة الجهاد بأكملها، بأن عليهم مواصلة الدعوة إلى الجهاد بكل
قوة وشدة. والواقع أن الإنسان ضعيف، جسمه الملييء بالأماني يتوق إلى البقاء في
الدنيا، حتى ولو كانت حياته عبارة عن آلام ومصائب، ولم تكن لديه رجلان ويدان وعينان،
تمنّى أن يبقى في هذه الدنيا الفانية الزائلة، ما أقوى صلة بين روحه وجسده بحيث
يخاف من الفصل بينهما. فإن استمروا عليه لأدّى ذلك إلى انهزام الإسلام، لأن جميع
الكفار في العالم يعتبرون الإسلام أكبر تهديد لهم، لذلك يواصلون محاربتهم إذعانا
لما يوحي إليهم شياطينهم. فإن أراد المسلم البقاء في هذه الدنيا الفانية، لأدّى
ذلك إلى ضعفهم وإهمالهم، ويضطرون إلى الخضوع أمام الكفار لأجل رفاهيتها وتقدمها
وأمنها الظاهري، لذلك أمر بدعوتهم إلى القتال في سبيل الله حتى يخرج حب الدنيا من
قلوبهم، أمر بإراءتهم الوجه الباسم للحياة الأصلية بمرآة الموت، بتذكيرهم بلذة
الوصال الذي ينالونه بالفراق، وتعريفهم بالطعم الرائع بالذبح بباب المحبوب. لقد
استخدم القرآن كلمة التحريض للدعوة إلى الجهاد، لتكون دعوة قوية متينة ومؤثرة
ومتواصلة. لذلك لا مفر لهم من إحياء دعوة الجهاد المؤثرة المتواصلة للمحافظة على
حياتهم. لقد أمر الله آخر أنبياءه به، فدلّ على أنه من أهم الأمور للمسلمين، فقام
به حق القيام، ودعاهم إليه بحيث اضطربت قلوبهم بحماسه وشوقه. إذ الابتعاد عن
العروس التي عهده بها حديث، وكذلك الابتعاد عن حب الأبوين، وعن المدينة المنورة
وذات الرسول · لم يكن هيّناً، لكن نبي الله لمّا حرّضهم إليه خرجوا حتى ما اشتاقوا
العودة إليها، وواصلوا الخروج وداوموا عليه، فبفضل جهادهم انتشر الإسلام في
الآفاق. فهذا التحريض على الجهاد لا يزال آية من القرآن الحكيم، والواجب على علماء
هذه الأمة وأولياءها وخواصها أن يواصلوا دعوة المسلمين إلى القتال في سبيل الله
بشكل قوي ومؤثر.
(4) {عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا} والمعنى
واضح أن قيادة الأمة إن خرجت للجهاد، ودعت الأمة إليه، فخرجت معه، نصرهم الله
بتأييده، وألقى في قلوب الكفار الرعب، ونصر المسلمين عليهم. وعد الله هذا مع
الدعوة والقتال تحقق في كل زمان، وسوف يتحقق إلى يوم القيامة. كلمات القرآن هذه
تمثّل أسس الثقافة الإسلامية. ما طريق مواجهة تهديدات الكفار؟ هذا ما أراد الله
توضيحه بجملة لا تتجاوز كلماته على سبعة ألفاظ، يصدقه ماضي المسلمين المحيط بمئات
السنين. وليعلم المسلمون أن طريق القضاء على شوكة الكفار وقوتهم يمر من الجهاد،
وليس من الخنوع لهم، ومحبة حضارتهم وعلومهم، إذ هو ليس إلا سبيل المحافظة على
الحياة المهين، أما الحياة فليس شيء يمكن المحافظة عليها، فما من روح إلا ومفارق
للجسد في يوم من الأيام، ووعد الله يتلألأ في هذه الآية، ويدعو إليه، فالواجب على
خواص المسلمين أن يخرجوا للجهاد في سبيل الله، ويدعوا الناس إليه، فقد يقضي الله
تعالى على كافة القُوى النووية والكيماوية والبرية والجوية والبشرية عند العدو،
فهذه حقيقة لا مجال للشك فيها.
(5) {والله أشد بأسا وأشد تنكيلا} وهذا الدرس
الأخير من تلك الآية الجامعة الذي يساعد في ترسيخ الدروس السابقة في القلب.
الإنسان ضعيف، لذلك يخاف القتال، خاصة إذا قيل له: قاتل حتى ولو كنتَ وحدك. كذلك
الدعوة إلى الجهاد ليست بهينة، لأن الدعاة إلى الجهاد الحقيقي في سبيل الله تحيط
بهم المصائب والقيود من الجوانب كلها. ثم الوعد الثالث بكف بأس الكفار، يبدو صعبا
حسب الظاهر، لأن قوة المشركين ببعض الأحيان تزداد بحيث يزعم الضعفاء من المسلمين
أن القضاء عليها لا يمكن إلى يوم القيامة.
ثم ذكر الله في آخر الآية قوته وعقوبته لتوضيح
الأمور السابقة، وبه اندفعت الشبهات كلها، لأن بعدما ملأ المسلم قلبه بعظمة الله
تعالى تلاشت قُوى العالم كلها في عينيه، يؤمن بأن ما عليه إلا الخروج في الجهاد،
أما القتال فالله وكيله فيه. إن استُشهد فيه حصلت له القربة من ربه القوي الغالب،
الذي لا توازي قوته شيء من قُوى الدنيا. لقد انتهج الكفار اليوم نهج ترويع الناس
بسلاحهم وزينتهم بحيث بات الناس يخفضون لهم رؤوسهم. وفي مثل هذه الأجواء يرفع
القرآن صوته بلفظ {والله أشد بأسا وأشد تنكيلا} فيخرج من قلب المؤمن رعب قوات
الدنيا كلها، حتى لا يصير أكبر همه أنه لا يتّقي الموت بيد الكفار في الدنيا، إنما
همه الوحيد هو كيف يمكنه الوقاية من غضب الله وعذابه؟ ولا سبيل إليه إلا الجهاد في
سبيل الله. (والله أعلم بالصواب)
دعاء:
يا
الله.. يا ربنا.. يا ربنا.. يا ربنا.. يا ربنا.. يا ربنا..
أسألك أن تحيي في هذه الأمة القتال في سبيلك
والدعوة إليه، واقض على بأس المشركين وقوتهم. آمين يا قوي يا متين.