{سورة النساء مدنية، الآية 85}



{بسم الله الرحمن الرحيم}

{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)}.

ملخص معاني الآية:

أي من يتوسط بين رجلين في حسنة، كان له نصيب منها، ومن يتوسط بينهما في سيئة يكن له نصيب في وبالها، وكان الله على كل شيء مقيتا.

الأقوال والمراجع:

(1) الدعوة إلى الجهاد:
من يشفع شفاعة حسنة لزيادة عدد الغزاة يكن له نصيب منها، ومن يشفع لنقصان العدد يكن له كفل منها. (حاشية اللاهوري رحمه الله)
(2) ثواب الدعوة إلى الجهاد:
أي إن شفع أحد في عمل صالح، وسعى لأجله، كدعوة النبي · الناس إلى الجهاد، وتوضيح أهميته وضرورته. أو من يسعى في عمل قبيح ويشفع فيه، كالمنافقين والضعفاء الخائفين من الجهاد يخوّفون غيرهم منه، ففي الوجه الأول له نصيب من الثواب، وفي الوجه الثاني له نصيب من الوزر. ومثله إن كان أحد يشفع لمحتاج عند الغني، فدفع إليه الغني مالاً، فللشفيع نصيب منه، وكذلك من أنقذ كافرا ومفسدا أم سارقا بشفاعته، ثم سعى في الفساد أو السرقة، فله نصيب في الفساد والسرقة. (التفسير العثماني)
(3) الربط الجهادي ومسائل:
لقد ذكر الرازي مجموعة من وجوه الربط بين الآية الكريمة بالآيات السابقة، وأشار إلى فضائل الدعوة إلى الجهاد من خلالها، لاحظوها فيما يلي:
اعلم أن في تعلق هذه الآية بما قبلها وجوها :
الأول : أن الله تعالى أمر الرسول عليه السلام بأن يحرض الأمة على الجهاد ، والجهاد من الأعمال الحسنة والطاعات الشريفة ، فكان تحريض النبي عليه الصلاة والسلام للأمة على الجهاد تحريضا منه لهم على الفعل الحسن والطاعة الحسنة ، فبين تعالى في هذه الآية أن من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ، والغرض منه بيان أنه عليه الصلاة والسلام لما حرضهم على الجهاد فقد استحق بذلك التحريض أجرا عظيما .
الثاني : أنه تعالى لما أمره بتحريضهم على الجهاد ذكر أنهم لو لم يقبلوا أمره لم يرجع إليه من عصيانهم وتمردهم عيب ، ثم بين في هذه الآية أنهم لما أطاعوا وقبلوا التكليف رجع إليهم من طاعتهم خير كثير ، فكأنه تعالى قال للرسول عليه الصلاة والسلام : حرضهم على الجهاد ، فإن لم يقبلوا قولك لم يكن من عصيانهم عتاب لك ، وإن أطاعوك حصل لك من طاعتهم أعظم الثواب ، فكان هذا ترغيبا من الله لرسوله في أن يجتهد في تحريض الأمة على الجهاد ، والسبب في أنه عليه الصلاة والسلام كان يرجع اليه عند طاعتهم أجر عظيم ، وما كان يرجع اليه من معصيتهم شيء من الوزر ، هو أنه عليه السلام بذل الجهد في ترغيبهم في الطاعة وما رغبهم ألبتة في المعصية ، فلا جرم يرجع اليه من طاعتهم أجر ولا يرجع اليه من معصيتهم وزر .
الثالث : يجوز أن يقال : إنه عليه الصلاة والسلام لما كان يرغبهم في القتال ويبالغ في تحريضهم عليه ، فكان بعض المنافقين يشفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أن يأذن لبعضهم في التخلف عن الغزو ، فنهى الله عن مثل هذه الشفاعة وبين أن الشفاعة إنما تحسن اذا كانت وسيلة إلى إقامة طاعة الله ، فأما اذا كانت وسيلة الى معصيته كانت محرمة منكرة .
الرابع : يجوز أن يكون بعض المؤمنين راغبا في الجهاد ، إلا أنه لم يجد أهبة الجهاد ، فصار غيره من المؤمنين شفيعا له إلى مؤمن آخر ليعينه على الجهاد ، فكانت هذه الشفاعة سعيا في إقامة الطاعة ، فرغب الله تعالى في مثل هذه الشفاعة ، وعلى جميع الوجوه فالآية حسنة الاتصال بما قبلها . (التفسير الكبير)

معنى رائع للشفاعة:

نقل الواحدي عن ابن عباس رضي الله عنهما ما معناه أن الشفاعة الحسنة ههنا هي أن يشفع إيمانه بالله بقتال الكفار ، والشفاعة السيئة أن يشفع كفره بالمحبة للكفار وترك إيذائهم. (التفسير الكبير)
دل على أن بالقتال في سبيل الله يكتمل الإيمان، كما اتضح ذلك ببعض الروايات صراحةً. (والله أعلم بالصواب)

فائدة:

الآية التي تلي هذه الآية، وهي آية 86 فمبحثها الجهادي ووجوه الربط ذكرها الشيخ التهانوي رحمه الله في بيان القرآن، ومن شاء فليرجع إليه.