{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)}.
ملخص معاني الآية:
يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في الأرض لأجل
القتال في سبيله، فتبيّنوا وتدققوا في الأمور كلها، سواء تتعلق بالقتل أو غيره،
ولا تقولوا لمن أظهر الإسلام أنه ليس بمؤمن، إنما أظهره لحماية نفسه، لا تطمعوا في
أموال الناس، فعند الله مغانم كثيرة. تذكّروا ما ضيكم، وتذكروا مَنَّ الله عليكم،
إن الله كان بما تعملون خبيراً.
معنى الآية الكريمة:
جملة ما ذكره المفسرون في تفسير الآية الكريمة،
شملتها عبارة الشاه عبد القادر رحمه الله.
« قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن أبي بُكَيْر،
وحسين بن محمد، وخلف بن الوليد، قالوا: حدثنا إسرائيل، عن سِمَاك، عن عِكْرِمة، عن
ابن عباس قال: مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسوق
غنما له، فسلم عليهم فقالوا: ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا. فعمدوا إليه فقتلوه، وأتوا
بغنمه النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
[إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى
إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا] (6) } إلى آخرها.
أكّد فيها أنه لا يجوز لهم قتل أحد حتى
يتأكّدوا منه، فإن أظهر لكم الإسلام فلا تردوه عليه، والله عنده مغانم كثيرة، فلا
تركّزوا أنظاركم على الأشياء التافهة.
{كذلك كنتم من قبل} أي كذلك كنتم من قبل،
تريقون الدماء لأجل الدنيا، فلا تفعلوا مثله بعد الإسلام، ولا تقتلوا من تشكّون في
إسلامه. أو المعنى أنكم في أول الإسلام تعيشون بين الكفار، لم تكن لديكم دولة
مستقلة، ولا نهج حياة مختلف، فقُبل منكم الإسلام، ولم يتعرض المسلمون لأموالكم
وأنفسكم، فافعلوا الآن مع المسلمين كما فُعل بكم، ولا تبسطوا أيديكم إليهم، ولا
تقتلوهم بدون تحقيق وتدبر. (التفسير العثماني)
لا حاجة إلى تدقيق العقيدة الباطنية:
ذكر في الآية الكريمة ضوابط التمييز بين المسلم
والكافر، لأن من أحد وجوه قتل النفس المحرّمة أن يقول القاتل: لم نعتبره مسلما
لذلك قتلناه. فالواجب أن ما من شخص يسلّم عليكم تسليمة الإسلام إلا وكان مسلما
كاملا، فلا تتصدوا لمعرفة ما في قلبه من العقيدة. (حاشية اللاهوري رحمه الله)
فائدة:
اشتملت الآية على توجيه كريم للمجاهدين، فعليهم
أن لا يتخذوا القتل وإزهاق الروح غاية حياتهم. وقد حشد القرطبي رحمه الله جانبا من
الوقائع التي ُقتل فيها شخص رُغم إظهاره الإسلام، وأن القاتل لمّا مات لم تقبله
الأرض، إنما لفظته إلى ظاهرها. فالجهاد الإسلامي حرب موثقة بأحسن الضوابط الخلقية،
لذلك يجب على المجاهدين أن لا يستخدموا سلاحهم ضد شخص إلا بعد التدقيق والحيطة
والحذر في أمره، وليحترزوا عن إراقة الدماء بدون ضرورة. (والله أعلم بالصواب)
فائدة:
هذه المسألة بما أنها لم تنزل بشكل واضح في ذلك
العهد، لذلك اكتفى بالتحذير والاستتابة من كل من تفرّط في هذا الجانب في الماضي.
(مفهوم بيان القرآن والقرطبي)
ملحوظة:
لاشك أن الجهاد لا يخلو عن قتال، ولا يستبعد
حدوث وقائع مثلها عند حمي وطيس الحرب، وبعد الوعيد الشديد الذي نزل في الأمر يحتمل
أن يقعد البعض في بيوتهم، ولا يخرجوا للجهاد، لذلك ذكر مناقب المجاهدين العالية في
الآية القادمة، ليرغّبهم فيه ويحرّضهم عليه. (والله أعلم بالصواب)
معناه أوامر من عنده، لا يكون للناس فيه فعل
ألبتة، كبنى النضير الذين طرح الله في قلوبهم الرعب، فأعطوا بأيديهم من غير محاربة
ولا عسكر.
وقيل: معناه إظهار أسماء المنافقين بالوحي.
(كما في بيان القرآن)