{بسم الله الرحمن
الرحيم}
{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)}.
ملخص معاني الآية:
لقد قتل اليهود أنبياء الله تعالى، وسلكوا طريق المعصية، وتعدّوا كافة
الحدود الدينية والخلقية والإنسانية، وأعظم شيء فيهم أنهم أنكروا كتاب الله. وقد
ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة، التي لا يمكنهم التخلص منها إلا باللياذ إلى الله،
أو بالتحالف مع أمة قوية، فقد باءوا بغضب من الله.
{ضربت عليهم الذلة}..
(1) لا أمان لنفوسهم وأرواحهم. (بيان القرآن)
(2) هدر النفس والمال والأهل. (روح المعاني)
(3) ذلة التمسك بالباطل وإعطاء الجزية. (روح المعاني)
(4) معنى الذلة هدر نفوسهم وأموالهم وأهلهم في قلوب خلق الله، يشهد التاريخ
أن اليهود ظلوا مساكين مهانين إلى عهد بعثة الرسول ·، بل وبعدها لقرون طويلة.
{أينما ثقفوا..} ذاقوا ويلات في العقد الثالث من القرن العشرين في ألمانيا
وهنغاريا وإيطاليا وجمهورية التشيك والسلوفاك رغم ثراءهم ورغد عيشهم، فكان تفسيراً
لهذه الآية. (التفسير الماجدي)
(5) إن المراد أن يحاربوا ويقتلوا وتغنم أموالهم وتسبى ذراريهم وتملك
أراضيهم. (التفسير الكبير)
{المسكنة} أي ضرب الله عليهم المسكنة والانحطاط. وردت أقوال كثيرة في تحديد
المسكنة في الآية، لاحظوا ثلاثة منها فيما يلي:
(1) هي ضرب الجزية عليهم.
(2) مهما بلغ ثراء اليهودي وغناءه، فإن قلبه يتوق إلى المزيد، ويتظاهر
بالمسكنة والحاجة والفقر أمام الناس. (لأجل البخل والطمع)
(3) فيها إشارة إلى الجهاد، حيث جعل الله أموال اليهود رزقاً ومغنما
للمسلمين، وسوف يظلون مساكين. (التفسير الكبير)
لطيفة:
الذلة فيما يتعلق بالآخرين، بحيث تنحط منزلتهم في عيون الناس، والمسكنة فيما
يتعلق بأنفسهم، بحيث يشعرون بالضعف والجبن والطمع. (والله أعلم بالصواب)
{حبل من الله وحبل من الناس}..
تكلم أهل العلم كثيرا في تحديد معناها، نكتفي هنا بإيراد ثلاثة أقوال منها:
أراد بحبل الله: الأمن والسلامة، الحاصلة للمسلمين. وأراد بحبل من الناس:
العهود والمواثيق التي يبرمونها مع أتباعهم. (التفسير الحقاني)
(2) {حبل من الله} يمكن أن يراد منه شريحة كبيرة من المجتمع اليهودي التي لا
تنفذ عليها أحكام القتل والتعزير والثأر في الشريعة الإسلامية، كالنساء والصبيان والزهاد
وأحبارهم ورهبانهم الذين يعتكفون في المعابد والكنائس. وأراد ب {حبل من الناس}
جماعات اليهود التي تعقد اتفاقيات مع الآخرين للمحافظة على أرواحهم وأموالهم.
(التفسير الماجدي)
(3) أي ضرب الله على اليهود الذلة والمسكنة، لا تفارقهم أينما حلوا ورحلوا،
فأثرياء اليهود من أصحاب الملايين لا يقدرون على حماية أنفسهم وأموالهم بحرية
واستقلالية، إذ لا دولة مستقلة لهم ولا سلطان، وليس لديهم إلا بعض الوثائق
الربانية. أي يعملون ببعض تقاليد التوراة، وهي السبب في حماية أنفسهم. وبفضلها
ينزلون في جوار بعض الناس ليحموا أنفسهم من الضياع. (كذا في الموضح)
أراد بعض المفسرين من لفظ {حبل من الله وحبل من الناس} ذمة الله وعهود
المسلمين ومواثيقهم. أي يدخلون في ذمة الله وعهد المسلمين لحماية أنفسهم. وقيل:
أراد بحبل الله الإسلام، أي يمكنهم التخلص من العار والمذلة بالدخول في الإسلام،
أو بالمعاهدة، لأنها تصون نفوسهم وأموالهم. (والله أعلم) (التفسير الحقاني)
إشكال وجوابه:
فإن قيل: إن ضرب الذلة والمسكنة عليهم يعني أنهم لا يقدرون على تأسيس دولة
حرة ومستقلة ومستقرة، لكنهم استطاعوا تأسيس دولة إسرائيل الحرة ذات القوة والنفوذ؟
قلنا:
(1) قال الشيخ المفتي ولي حسن رحمه الله: هذا زمان قرب الساعة، وقد أخبر
النبي · أمته عن حرب حاسمة بين المسلمين واليهود، لذلك هيأ الله تعالى من الأسباب
ما تجمع اليهود في مكان واحد، وسوف تدور رحى المعركة الحاسمة بينهم وبين المسلمين
بموقع إسرائيل اليوم.
(2) هذه ليست دولة مستقلة، بل هي كما قال الله تعالى: حبل من الناس، أي ليست
دولة إسرائيل أكثر من مستعمرة موقتة، إذ يكفي لزعزعة بنيان إسرائيل أن ترفع
الحكومات النصرانية أيديها عن حمايتها.
(3) لم ينعم أحد من الإسرائيليين بنعمة الأمن والاستقرار، وذلك ببركة الجهاد
المبارك، فالخوف والذلة تطارد الإسرائيليين في كل لحظة. (والله أعلم بالصواب)
وعلى كل حال، فإن وجود دولة إسرائيل وسمة عار على جبين كل مسلم يؤمن بالقرآن
الكريم، اللهم نجّ المسلمين من وسمة العار هذه. (آمين يا رب العالمين)
لطيفة:
قبل هذه الآية قال {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } ثم قال
في الآية التي تليها {وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ
الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى
وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111)}
فإن قيل: كيف يولون الأدبار وهم أقوياء؟ قلنا: أشار الله في هذه الآية إلى الجواب
عنه، وهو أن الله عزوجل قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة لأعمالهم الخبيثة، فقوله
تعالى: {كنتم خير أمة} يشمل أسباب الفتح، وهذه الآية تشمل أسباب الهزيمة. فأسباب
النجاح الإيمان والجهاد، وأسباب الذلة والهزيمة: الكفر والعصيان والتولّي عن
القرآن الكريم. والله أعلم بالصواب