بسم الله الرحمن الرحيم
{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) }.
ملخص معاني الآية:
أشار فيها إلى الصنف الرابع من المتخلّفين عن
الجهاد، فهم على الأصح لا يشاطرون النبي · الرأي فيما يتعلق بخدمة الإسلام، يقولون:
ليس هو إلا اُذن، (أي يسمع من الجميع، ويقبل من الجميع، لا يستقل برأي) وبناء على
سوء ظنهم لا يشاركون النبي · في أعماله.
المنافق يزعم أنه داهية مُحنّك:
النفاق من أحد الأمراض الخطيرة، يتخلف المنافق
عن الجهاد، ويحسبه من الدهاء والحكمة، ويعتبر المسلم المخلص غراً غشيماً، لم يكن
ظنه في ذات الرسول · يختلف كثيرا عما يظن في المسلمين، يقول: هو لا يستقل برأي.
«وقال الحسن: كان المنافقون يقولون ما هذا
الرجل إلا اُذن، من شاء صرفه حيث شاء لا عزيمة له».(نعوذ بالله) (التفسير الكبير)
«وغرضهم منه أنه ليس له ذكاء ولا بُعد غور».
(نعوذ بالله)
الجبان لا يعتبر الدهاء إلا المحافظة على النفس
والروح بأية وسيلة كانت، لقد حرم الله المنافقين من الجهاد، فقعدوا في بيوتهم، يسيئون
الظن في النبي ·، ويَبُثّونه بين الناس.
المنافق متطاول على ذات الرسول ·:
أشارت الآية الكريمة إلى أن المنافق يتطاول على
ذات الرسول ·، وأنه يرى الجهاد موتا، وللوقاية منه يسعى إلى بث الشكوك بشأن تعاليم
الرسول ·. فيما يلي لاحظوا نصين :
(1) اُذُن ...
هو من لم يكن إلا اُذناً، أي كان غراً بحيث يصدق لكل من يسمع، ومثل هذا
الكلام البذي لا يتجرأ عليه إلا منافق بقلب أسود.
الاُذن : الرجل الذي يصدق قول كل أحد (الكشاف)
أي يقبل كل ما قيل له. (ابن تيمية)
يؤذون النبي ·: يتحدثون بما يتأذى به النبي ·.
(2) «لقد التزم المنافقون بانتقاد جميع ما
يتحدث به النبي ·، وقد تعوّدوا على التصدي لتعاليم النبي · النافعة بنية طعنها،
ولاشك أن ما من طاغية متعنت تصدى لشريعة فاضلة إلا وأحدث فيها شكوكا، كان
المنافقون يقولون عن النبي · هو اُذن، يسمع لكل من يتحدث إليه، ويُذعن له، ولم يكن
يستقل برأي، فرد الله عليهم بقوله: إن قبوله · لكل ما تقولونه سبب للرحمة والخير،
وإلا فإنه إن بقي على مزاجه الخاص به، واختبر الناس على مستواه، لما استفاد منه
شخص واحد على الوجه المطلوب».
أما أنتَ فقد أجبرت نفسك لتنزل إلى مرتبة من
كان أقل مرتبة منك، (بأن كنتَ تعلم الصدق والكذب، فلم تكن تبديها لعفوك وكرمك وإغضائك)
أما هؤلاء المنافقين فقد نقدوا ذلك لخبث باطنهم. (التفسير الفرقان)
فرق بين المؤمن والمنافق:
المنافق شاطر في سمعه للقول، يستنبط منه مطالب
متنوعة، ويتعلق بأعلاه وأسفله لتغافله عن جانب الآخرة، أما المؤمن فغرّ كريم، لا
يريد إلا منفعة الدين والآخرة والخير من كل قول، ولا يتعمّق في البذيء والتهتر،
لذلك يعتبره المنافق بسيطا ضعيفا، شأنه شأن المؤمن اليوم، تجهّز للقتال كلما دَوَّى
صوت الجهاد في الكتاب والسنة، فاتّهمه عُبّاد الدنيا المنافقون بالضعف العقلي
والغشم والحمق والانفعال والضلال. (والله أعلم بالصواب).
يدافع الله عن رسوله:
لمّا طعنه المنافقون لاستماعه إلى أقوال الناس
باُذن، دافع الله تعالى عنه على اعتبار ذلك خيراً، حتى بكّتهم. كما أشار إلى أن
مرض الأذن لحق بالمنافقين، إذ هم يستمعون للشر والأذى ويذعنون له، ولا يستمعون
للخير، أما استماع النبي · فكان خيراً في الوجوه كلها، يستمع لكلام الله تعالى
ويؤمن به، فكان فيه خيراً ونفعا للبشرية جمعاء، ويستمع لكلام المؤمنين، فيبلغهم
الخير، يستمع للصادق من أقوالهم ثم يقضي بينهم بما يريه الله، فكان خيرا للأمة
بأسرها، كما يستمع لأقوالكم أنتم أيها المنافقون، فيُغضي عنكم، فكان خيراً، إذ فيه
تأجيل لأموركم وعدم البتّ فيها، فتجدون وقتا كافيا لمراجعة أعمالكم، إذ لا يستبعد
إسلام بعضكم بعد ملاحظة حلمه · وخلقه العظيم.
قال الشاه عبد العزيز الدهلوي رحمه الله:
يطعن المنافقون رسول الله ·، يقولون هو ليس إلا
اُذن، يستمع للجميع، أما النبي · فكان يُدرك كذب الكاذب فيغضي عنه ولا يفضحه، أما
المنافق الأحمق فكان يحسب ذلك غباء، فردّ الله تعالى عليهم بأن ذلك خير للمنافقين،
وإلا فقد وقعوا تحت طائلة المعاقبة منذ اليوم الأول. (موضح القرآن)
قال صاحب روح المعاني:
وهو تعريض بأن المنافقين اُذن شر يسمعون آيات
الله تعالى ولا ينتفعون بها، ويسمعون قول المؤمنين ولا يقبلونه، وأنه · لا يسمع
قولهم إلا شفقة عليهم، لا أنه يقبله لعدم مقدرته على التمييز كما زعموا. (روح
المعاني).
هذه العبارة تؤيد جميع ما سردناه في الأعلى،
وخلاصته أن سماع رسول الله · ليس إلا خيراً، وسماع المنافقين ليس إلا شراً.
عقوبة أليمة لكل من شتم الرسول ·
بعدما دافع الله تعالى عن رسوله آذن بالعقوبة
المؤلمة لكل من آذاه.
ثم قال: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ
لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } بدون قيد العذاب الدنيوي والأخروي، والوعيد بالعذاب
فيهما، فقد وقع عليهم العذاب في الدنيا، إذ طُردوا من عند رسول الله مُهانين، أما
عذاب الآخرة فقد تقرر وقوعه على كل كافر». (أنوار البيان)
كتب صاحب التفسير الماجدي العبارة الرائعة
التالية:
عقوبة العذاب الأليم لكل من آذى رسول الله · في
حياته إلى يومنا هذا. (التفسير الماجدي)
لطلاب العلم:
ارجعوا إلى تفسير المدارك لمعرفة الترجمة
الحرفية للآية الكريمة وشرحها الجامع، كما ذكر القرطبي وصاحب روح المعاني والمظهري
قصصا عديدة في سبب نزول الآية، وعلى الطلبة الراغبين مراجعتها.
تفسير جامع:
المنافقون يسيئون إلى الرسول · والإسلام كلما
جلسوا معاً، فإن قيل لهم: قد يصل خبركم إلى رسول الله ·، قالوا: لا نعبأ به، نتبرأ
منه بالتأويلات، لأنه ليس إلا اُذن، يُذعن لكل ما يسمع، فلا يصعب علينا إدراجه إلى
حديثنا.
والواقع إن النبي · كان خبيرا بكذبة الكاذب،
لكنه لم يكن يفضحه على الملأ، لخُلقه العظيم ورحمته ورأفته، فكان يُغضي عنه
ويتسامح، لكنهم يظنون من جهلهم وغباءهم أنه لم يتخبّر كذبهم، فرد الله عليهم، فقال
إن كان هو اُذنا كما تقولون، فهو اُذن خير، فطريقة تعامله معكم يعود بالنفع إليكم،
وإلا لعاقبكم الله قبل ذلك، وقد تؤمنون بعدما تشاهدون خُلقه العظيم، وتطلعون على
معاملته الحسنة وتغاضيه عنكم. أما صمته على ما تكذبون عليه فليس لأنه لم يكن يثق
فيكم، إنما ثقته بالله وبالمؤمنين في أقوالهم، فصمته رحمة وخير لمن يدعي الإيمان
منكم، إذ هو لا يفضحهم بإظهار بواطنهم، لكن ذلك لا يدل على أن الله تعالى يخفى
عليه شيء من أعمال المنافقين الخبيثة الذين لا يألون يسبونه ويقولون إنه اُذن،
وعليهم أن يترقبوا عقوبة الله الشديدة. (التفسير العثماني بتسهيل)