{ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) }.
ملخص
معاني الآية:
(1) جماعة الصحابة السابقون إلى الإيمان
والهجرة والنصر ومرضيون عند الله.
(2) من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة،
صار من المقبولين.
(3) رضي الله عن الصحابة وأتباعهم
المخلصين، ورضوا عنه.
(4) السعادة الحقيقية هي سعادة الآخرة،
التي تتحقق لهم في هيئة رضا الله وجنته.
مباحث الآية
الكريمة:
أشار المفسرون إلى العديد من مباحث
الآية الكريمة التالية:
(1) من المقصود من السابقين الأولين؟
(2) ما معنى الاتباع بالإحسان؟
(3) الآية الكريمة تدل على أن الصحابة
كلهم سعداء من أهل الجنة.
(4) فيها إشارة إلى فضيلة خاصة بأبي بكر
الصديق رضي الله عنه، كما أشارت إلى أنه خليفة رسول الله · (بلا فصل) على الحق
والرشد.
(5) لا يجوز طعن صحابة رسول الله · بأي
وجه من الوجوه.
(6) السعادة الحقيقية هي سعادة الآخرة.
(7) فضائل المهاجرين ومناقبهم العالية.
(8) فضائل الأنصار ومناقبهم العالية.
(9) فضائل التابعين ومناقبهم العالية.
ولملاحظة المباحث التسعة المذكورة يُرجى
مراجعة الكتب التالية:
التفسير القرطبي، وابن كثير، وروح
المعاني، والبحر المحيط، والعثماني، وبيان القرآن، وحاشية اللاهوري، والماجدي.
والأفضل للطلاب أن يرجعوا إلى القرطبي والتفسير الكبير وابن كثير وروح المعاني،
لما تحتوي على أدلتها.
تفسير
جامع للآية الكريمة:
(1) قال اللاهوري رحمه الله:
جماعة الأنصار والمهاجرين مرضية عند
الله تعالى. (حاشية اللاهوري)
(2) كل من أسلم إلى وقعة بدر كان من
السابقين الأولين، والبقية ممن تبعوهم. (موضح القرآن)
(3) قال شيخ الإسلام العلامة شبير أحمد
العثماني رحمه الله:
«لمّا ذكر المؤمنين من الأعراب من أهل
البادية، كان من الأولى أن يذكر جانبا من كبار المسلمين وزعماءهم، الذين سبقوا على
غيرهم في الهجرة والإيمان، والأنصار الذين نصروهم وعززوهم، أي كل من له سبق في
الهجرة والإيمان والنصر، ثم الذين اتبعوهم بالإحسان والإخلاص، رضي الله عنه ورضوا
عنه، فكما أنهم أذعنوا لأمر الله وحكمه وإرادته، كذلك أنعم الله عليهم بتبشيرهم
برضائه في الدنيا».
تنبيه:
لقد اختلفت أقوال السلف من المفسرين في
تحديد «السابقين الأولين»، فقيل: هم المهاجرون والأنصار الذين أسلموا قبل الهجرة.
وقيل: من صلى إلى القبلتين. وقيل: السابقون الأولون من أسلم قبل وقعة بدر. وقيل:
من أسلم قبل الحديبية. وقيل: جميع المهاجرين والأنصار سابقون أولون مقارنة بأولئك
الذين كانوا حولهم أو يلحقون بهم إلى يوم القيامة. ونحن في رأينا لا تعارض بين هذه
الأقوال، إذ السبق والأوّلية أمور إضافية، فقد يكون شخص واحد سابقا بالنسبة إلى
جماعة، ولاحقا بالنسبة إلى جماعة أخرى، كما أشرنا إليه في الفائدة، فما من جماعة
سبقت على غيرها في ناحية من النواحي، سعدت بهذا القدر ورضي الله عنها، إذ ليس من
المستبعد أن تكون للرضا والسعادة مراتب مثل السبق والأولية. والله أعلم (التفسير
العثماني مع تسهيل يسير)
قال العلامة التهانوي رحمه الله تعالى:
المهاجرون والأنصار سبقوا على بقية
أفراد الأمة في الإيمان، وهم إن اتبعوهم بالإيمان والإحسان رضي الله عنهم، وقبل
عنهم إيمانهم، وسوف يجازيهم الله تعالى عليه، كما أنهم رضوا بالله بأن أطاعوه، فمن
ازداد رضاه ونما، أعد الله له جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها، وهو الفوز
العظيم.
كلمة {السابقون الأولون} شملت المهاجرين
والأنصار، وكلمة {والذين اتبعوهم} شملت البقية من المؤمنين، يسبقهم المؤمنون الذين
لهم شرف الصحبة من غير المهاجرين والأنصار، إذ الهجرة لم تبق فريضة بعد الفتح، وقد
اُذن لهم بالبقاء في منازلهم بعد الإيمان، يليهم التابعون في المرتبة، ثم بقية
المؤمنين من تبع التابعين، هم أفضل من عامة المسلمين. (بيان القرآن مع تسهيل)
لقد أسرع كثير من المسلمين إلى الجهاد
يوم تبوك، وتكاسل آخرون، ومنهم من نافق، ففي مثل هذه الظروف ذكر الله تعالى
المؤمنين المخلصين، وأشار إلى معيار السعادة عند الله... وهي الإيمان والهجرة
والجهاد والمساهمة في نصر الدين بتقديم كافة أنواع الدعم المادي والمعنوي والتضحية
بالغالي والنفيس. فمن سبق على الناس في الهجرة والنصرة تبوأ المنزلة العالية وسعد.
والباب لا زال مفتوحا على مصراعيه لكل من أراد أن يعمل مثل عملهم لينال من الدرجات
ما نالوها، بفضل إيمانهم ودينهم. أما المنافقين فما آمنوا بالله حق الإيمان، وما
خرجوا للجهاد في سبيل الله، ولا هاجروا من منازلهم يوم تبوك بشكل موقت، فكيف تتحقق
لهم السعادة في الآخرة؟ (والله أعلم بالصواب)
ذكر
الهجرة والنصر في ثنايا ذكر الفضيلة:
في غزوة تبوك ذكر الله تعالى الهجرة على
وجه الخصوص، كما سبق في سورة التوبة، الآية 40، فقد رغّب الله تعالى المسلمين في
الجهاد فيها بتذكيرهم قصة الهجرة، ثم إنه الآن إن كان قد أعلن عن رضائه مع جماعة
الصحابة فقد أرفقه بذكر الهجرة والنصر على وجه الخصوص. بل قال الإمام الرازي رحمه
الله: غرض الآية الإشادة بأولئك الذين سبقوا على غيرهم بالهجرة والنصر، ثم الذين
يلونهم، فمن اتبعهم بالإخلاص فيما تأتي من الأيام كان أسعد وأحظ من غيره.
والصحيح عندي أنهم السابقون في الهجرة
والنصر. (التفسير الكبير)
فعرفنا أن السعادة لا تحصل إلا إذا كان
مستعدا للتضحية بالغالي والنفيس من المال والوطن، يهاجر عند استدعائه، وينصر عند
استدعائه، مثل صحابة رسول الله · الذين كانوا يندفعون إلى الجهاد بكل حماس، ليتحقق
له رضا الله وجنته. (والله أعلم بالصواب)
ما من
رجل انتهج نهج الصحابة إلا نجح:
لاحظوا ما يلي:
«بداية كل خير تكون صعبة، ولا عزة وشرف
إلا لمن ضحّى بالغالي في سبيله، وإليه أشارت الآية الكريمة: {والسابقون الأولون}
ليس الغرض منها تحديد جماعة الصحابة، حتى ولو كان يقول به الشعبي رحمه الله، بأن
المراد منهم أولئك الصحابة الذين شهدوا بيعة الرضوان، وعند أبي موسى الأشعري وسعيد
بن المسيب أن المراد منهم أولئك الذين صلّوا باتجاه بيت المقدس والكعبة. لكن
المراد منها عندنا هم المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم القيامة،
كما قال الله تعالى في سورة الجمعة: {وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (جمعة : 3) وفي سورة الأنفال: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا
مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} (الأنفال :
75) (تفسير القرآن).
ما
معنى الاتباع بالإحسان:
إن الله سبحانه وتعالى لم يقيد سعادة
المهاجرين والأنصار بالإحسان، أشار التهانوي رحمه الله إلى سببه فقال:
«لم يقيد المهاجرين والأنصار بالإحسان
لما سبقت منهم من الهجرة والنصرة اللتين تبرهنان على اتصافهم بالإحسان وهو
الإخلاص». (بيان القرآن بتسهيل يسير)
ثم الذين يأتون بعدهم قيّدهم بقيد
الإحسان في اتباع المهاجرين والأنصار، فما المراد من الإحسان:
(1) المراد منه الإخلاص وحسن النية، كما
سبق ذلك في العديد من النصوص.
(2) وقيل: المراد من الإحسان اتباع
المهاجرين والأنصار في كل خيرٍ وخصلةٍ حميدةٍ. كما في روح المعاني:
«شرط عليهم أن يتبعوهم بإحسان وهو أن
يقتدوا بهم في أعمالهم الحسنة، ولا يقتدوا بهم في غير ذلك». (روح المعاني)
وهذا الأخير الذي اختاره ابن كثير، ثم
انتقد الروافض بكل شدة، لاحظوا فيما يلي نص ما قاله:
«فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن
السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار {والذين اتبعوهم بإحسان} فيا ويل من
أبغضهم أو سبهم أو سب بعضهم، ولاسيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم، أعني
الصديق الأكبر والخليفة الأعظم، أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله تعالى عنه، فإن
الطائفة المخذولة من الرافضية يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم عياذا بالله
من ذلك، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان
بالقرآن إذا يسبون من رضي الله عنهم؟» (ابن كثير).
الواجب
بيان مناقب الصحابة وفضائلهم:
قال الإمام الرازي رحمه الله:
{والذين اتبعوهم بإحسان} معنى اتباع
الصحابة بالإحسان : اتباعهم بذكر محاسنهم. قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما:
يريد يذكرون المهاجرين والأنصار بالجنة والرحمة والدعاء لهم، ويذكرون محاسنهم.
وقال في رواية أخرى: والذين اتبعوهم بإحسان على دينهم إلى يوم القيامة. (الكبير)
ثم كتب الرازي ما ملخصه:
(1) معنى الإحسان اتباعهم مع ذكر
محاسنهم.
(2) ومن شروط سعادة اللاحقين أن يتبعوا
المهاجرين والأنصار بالإحسان.
(3) وعند فقد الشرط الأخير، وهو
الإحسان، يفوت الرضا والسعادة.
(4) وبناء عليه كان أهل الدين من
المسلمين يعظّمون صحابة رسول الله · ويعلون منزلتهم ومكانتهم، يبتعدون عن الوقوع
فيهم، كما كانوا يجتنبون عن ذكر ما لا يليق بمرتبتهم. (هذا معنى ما ورد في التفسير
الكبير)
فائدة:
وفي ثنايا تفسير الآية الكريمة رد
الرازي على العديد من اعتراضات الشيعة، كما أن صاحب أنوار البيان تناول هذا
الموضوع بالبيان والشرح، وعلى الراغبين مراجعة التفسير الكبير وأنوار البيان.
السعادة
الحقيقية هي سعادة الآخرة:
{ذلك الفوز العظيم}.
«يجب التيقّظ والانتباه إلى أن الله
سبحانه وتعالى أكّد مراراً وتكراراً بصريح اللفظ على أن السعادة الحقيقية هي سعادة
الآخرة، ولم يقرر منفعة من منافع الدنيا سعادة، وبناء عليه فإن أقصى ما يطمحه
المسلم : السعادة الأخروية، وليست الدنيوية، لا وساماً من أوسمتها ولا منصبا من
مناصبها، لا عضوية مُجمّع علمي أو ثقافي أو فنّى، ولا نيل جائزة نوبل، ولا التحليق
في السماء في مركبة فضائية». (التفسير الماجدي)
الدعوة
إلى التفكّر:
لا يمكن تحقيق السعادة لمن يليهم من
المسلمين بدون اتباع المهاجرين والأنصار، ولا غموض في أفكار الصحابة ونظرياتهم
وعملهم بشأن الجهاد، ففي غزوة تبوك كان المنافقون يلوذون بالفرار خوفا من الجهاد،
وكان الصحابة من المهاجرين والأنصار يسعون إلى الجهاد بالمال والنفس، لذلك يجب على
أولئك المسلمين الذين جعلوا الجهاد جانبا من حياتهم اليومية أن يتفقدوا مواقفهم من
اتباع الصحابة من المهاجرين والأنصار. (والله أعلم بالصواب)