{ الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا
وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ
بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
(98) وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَيَتَّخِذُ
مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ
لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)
}.
ملخص
معاني الآيات:
لقد ظهر نفاق المنافقين في غزوة تبوك
أمام مرأى ومسمع الجميع، وتناولت سورة التوبة بيان أحوالهم وأقسامهم، ومن ضمنها
هذه الآيات التي تناولت بيان حالاتهم، ففي الآيتين الأوليين ذكر أحوال الأعراب
الأشداء الغلاظ من المنافقين، كبني أسد وغطفان وغيرهم، وفي الآية الثالثة ذكر المخلصين
من أهل البادية، كبني مقرّن ومزينة وغيرهم..
سبب
النزول:
قال الإمام أبو حيان رحمه الله:
«نزلت في أعراب أسد وغطفان وتميم».
(البحر المحيط)
كانوا منافقين أشداء، وتخلفوا عن رسول
الله · في تبوك.
قال أبو حيان في تفسير الآية 90:
«قيل هم أسد وغطفان قالوا: إن لنا عيالا
وأن بنا جهدا، فأذن لهم في التخلف» (البحر المحيط)
وعن الآية الثالثة آية رقم 99 قال:
«نزلت في بني مقرن من مزينة». (البحر
المحيط)
كانوا مسلمين من أهل الريف، وكانوا على
ارتباط مع النبي · يشهدون معه المشاهد.
نبذة
من تفسير الآيات الثلاث:
«أشار في الآيات المذكورة إلى أحوال
سكان البادية، فأكّد على أنهم أشداء وغلاظ في الكفر والنفاق، وهذا أليق بحالهم
لبعدهم عن العلم وأجواءه، فلا يعلمون تعاليم الإسلام وحدود ما أنزل الله على
رسوله، كان بإمكانهم الابتعاد عن الكفر والنفاق إن حرصوا في العيش في أجواء
إيمانية وعلمية، واطلعوا على ما أنزل الله من الشرائع والدين، لكنهم ابتعدوا عن
مركز العلم والعمل، فزادهم كفرا ونفاقا وجهلا».
قال صاحب الروح (ص4 ج11) أشد كفرا
ونفاقا من أهل الحضر (الكفار والمنافقين) لتوحشهم وقساوة قلوبهم وعدم مخالطتهم أهل
الحكمة وحرمانهم استماع الكتاب والسنة وهم أشبه شيء بالبهائم.
والأعراب عادة يميلون إلى الغلظة
والشدة، فقد أخرج أبوداود في سننه، باب في اتباع الصيد، أن رسول الله · قال:
«من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد
غفل، ومن اتبع السلطان افتتن».
والواقع إن من طبيعة البادية أن أهلها
يتصفون بالغلظة والشدة، لبعدهم عن العلم ثم العمل، ثم أشار إلى صنفين من أهل
البادية، صنف ينفق بعض ما لديه من المال في الجهاد وغيره، وصنف يعتبر ذلك مغرما،
لخلو قلوبهم عن نية الإنفاق في الجهاد، لذلك يشق الإنفاق عليهم، يحسبونه مغرما
بدون مبرر، ثم إنهم إضافة إلى ما أسلفنا من البخل وغيره يتربصون الدوائر والمصائب
بالمسلمين، بحيث تقضي عليهم، فقال الله تعالى رداً عليهم: {عليهم دآئرة السوء} فكان
كما قال، إذ تعاقبت الانتصارات على الملسمين، وقطعوا أشواطا كبيرة في ميادين مختلفة،
سقطت على أيديهم الحكومات والدول، وأصيب المنافقون والكفار بالخزي والعار، وخابوا
فيما كانوا يأملون ضد الإسلام والمسلمين، ولم تتحقق أحلامهم. {والله سميع عليم}
وسوف يعاقبهم الله حسب أعمالهم.
ثم تناول الصنف الثاني من الأعراب فقال:
{ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم
الآخر}. (الآية)
أي من الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر،
ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول، وينفق المال بنية التقرب إلى الله
تعالى، دون أن يحسبه مغرما، ولا ينفقه إلا عن طيب خاطر، طلبا لمرضاة الله، لاشك أن
ما ينفقه يقربه من الله تعالى، وسوف يدخله الله في رحمته، والله غفور رحيم. (أنوار
البيان)
{ويتخذ ما ينفق} في الجهاد والصدقات
قربات أسبابا للقربة {عند الله}. (المدارك)
«بعض أولئك المنافقين من الأعراب اتصفوا
بالبخل والعداء للمسلمين إلى جانب جهلهم وكفرهم ونفاقهم، وما كانوا ينفقون شيئا
حياء من المسلمين إلا اعتبروه مغرما، فهذا كان بخلهم. وأما عدائهم فقد كانوا
يتربصون بالمسلمين الدوائر التي تقضي عليهم، عليهم دائرة السوء، فقد كثّر الله
الانتصارات على المسلمين، ولحق بالمنافقين الخزي والعار، ولم تتحقق آمالهم، وماتوا
في الغم والهم». (بيان القرآن)