{سورة التوبة مدنية، الآية : 11}

   بسم الله الرحمن الرحيم

{فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتَوُا الزكوة فإخوانكم في الدين. ونُفصّل الآيات لقوم يعلمون}.

ملخص معاني الآية:

الغرض من القتال في سبيل الله إعلاء كلمة الله، وإصلاح الأرض ومن عليها، وسعيا إلى تحقيق هذا الغرض الأسمى جعل باب التوبة مفتوحا رغم غدر الكفار والمشركين وجرائمهم الأخرى، فإن تابوا عن كفرهم، ودخلوا في الإسلام، وقاموا بتأدية الصلاة والزكاة، فلهم الأمن في الأيام المستقبلية، وينضمون إلى الأخوة الإسلامية التي تكفل لهم كافة الحقوق التي يتمتع بها المجتمع الإسلامي، وسوف يُغفر لهم غدرهم وخياناتهم السابقة، فليدرك العلماء معاني هذه الآيات، وليستوعبوها جيداً، ويتأملوا فيها، ويطبقوها على أنفسهم.

تفسير موجز:

قال القرطبي رحمه الله:
فإن تابوا أي عن الشرك، والتزموا أحكام الإسلام فإخوانكم، أي فهم إخوانكم في الدين. قال ابن عباس: حرمت هذه دماء أهل القبلة، وقد تقدم هذا المعنى. وقال ابن زيد: افترض الله الصلاة والزكاة، وأبى أن يفرق بينهما، وأن لا تقبل الصلاة إلا بالزكاة. (القرطبي)

ملاحظة مهمة:

أشار الشاه عبد القادر رحمه الله تعالى إلى نكتة مهمة في كلمة «الدين» فقال:
{فإخوانكم في الدين} أي في أحكام الشرع، ومن هنا عرفنا أن من كان مسلما بظاهره، وقلبه رافضاً له، فهو في حكم المسلمين باعتبار الظاهر، لكن لا تثقوا فيه، ولا تتخذوه وليا ولا صديقا. (موضح القرآن)
رحمنا الله، فقد انتصب على المسلمين حكام وأمراء لا تتوفر فيهم مقتضيات الإسلام الظاهرة، لا يهتمون بفروض الإسلام من الصلاة والزكاة، وانتصبوا أنفسهم حكاما على المسلمين وقادة، ويدّعون بالنصح للأمة، وأنهم يسعون إلى إنقاذها. اللهم ارحم أمة محمد ·.

ملاحظة مهمة:

هنا أشار بعض أهل العلم إلى نكتة مهمة، وقالوا: لا يمكن الثقة بالكفار والمشركين ما لم يتوبوا عن الكفر، ولا التودد إليهم، إليه الإشارة في آخر الآية حيث قال: {ونُفَصِّلُ الآيات لقوم يعلمون}. لاحظوا العبارة التالية:
«إن هم استسلموا للمدارج الأوّلية، فلا إشكال لهم عليهم، فليدرك العلماء أن المولعين باليهودية والنصرانية والشرك والكفر لا يخلصون لهم المودة والمحبة، فلا يثقوا في صداقاتهم وودادهم». (تفسير القرآن)
وأشار صاحب الكشاف وصاحب المدارك إلى أن {ونفصل الآيات لقوم يعلمون} جملة معترضة، وقالوا معناها:
«كأنه قيل: وأن من تأمل تفصيلها فهو العالم تحريضا على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين وعلى المحافظة عليها». (المدارك)

ثلاثة شروط للانضمام إلى المجتمع الإسلامي:

قال صاحب معارف القرآن:
أشارت الآية إلى أن للانضمام إلى المجتمع الإسلامي ثلاثة شروط: الأول: التوبة عن الشرك والكفر. والثاني: الصلاة. والثالث: الزكاة. لأن الإيمان والتوبة من الأمور المخفية التي لا يمكن الاطلاع عليها، لذلك ذكر علامتين ظاهرتين، وهما الصلاة والزكاة.
وللتأكيد على المحافظة على أحكام المعاهدين والتائبين المذكورة قال: {ونُفَصّل الآيات لقوم يعلمون}. (معارف القرآن)