بسم الله الرحمن الرحيم
{اَلا تُقاتلون قوماً نكثوا
أيمانهم وهمّوا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة، أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن
كنتم مؤمنين}.
ملخص معاني الآية:
أيها المسلمون! ما لكم لا تقاتلون قوما نكثوا
أيمانهم وقسمهم، وأرادوا إخراج الرسول من مكة، ثم بدءوا بالقتال من عند أنفسهم، بأن
نصروا بني بكر في حربه مع حزاعة حلفاءكم، فهل تخشونهم ولا تقاتلونهم والله أحق أن
تخشوه وتطيعوا أمره، ولا تنتهوا عن قتالهم، إن كنتم مؤمنين فقوموا بواجب الإيمان،
ومن ضمنه قتالهم. (ملخص ما جاء في أنوار البيان)
تحريض على الجهاد:
لقد فسّر الإمام النسفي الآية بشكل مختصر وجامع
بما يأتي:
{ألا يقاتلون قوما نكثوا أيمانهم} التي حلفوها
في المعاهدة {وهمّوا بإخراج الرسول} من مكة {وهم بدءوكم أول مرة} بالقتال والبادي
أظلم، فما يمنعكم من أن تقاتلوهم، وبّخهم بترك مقاتلتهم وحضهم عليها، ثم وصفهم بما
يوجب الحض عليها من نكث العهد وإخراج الرسول والبدء بالقتال من غير موجب
{أتخشونهم} توبيخ على الخشية منهم {فاللهُ أحق أن تخشوه} بأن تخشوه فقاتلوا أعداءه
{إن كنتم مؤمنين}.
فاخشوه أي قضية الإيمان الكامل أن لا يخشى
المؤمن إلا ربه، ولا يبالي بمن سواه. (المدارك)
فيه إشارة إلى أمور عديدة:
1- في الآية تعيير أولئك الذين امتنعوا عن
القتال.
2- وفيها تحريض على القتال.
3- فيها إشارة إلى الأسباب الثلاثة التي استدعت
وجوب القتال، وهي: (1) نقض العهد (2) معاداتهم للرسول · (3) بدء القتال بدون مبرر.
4- الامتناع عن قتال المشركين خوفا منهم يستحق
كل شجب وتنديد.
5- من مقتضيات الخشية لله تعالى محاربة أعدائه.
6- كمال الإيمان يقتضي أن لا يخاف المؤمن أحداً
سوى الله، ولا يعبأ بأحد سواه.
قال اللاهوري رحمه الله:
إن من أحد أسباب معاداة المشركين أنهم أعداء
الرسول ·، ومن أحد أدلة خبثهم وشرهم أنهم لا يحافظون على عهودهم ومواثيقهم، بل
ينقضونها كلما تيسر لهم ذلك. (حاشية اللاهوري)
تحريض شديد وقوي..
في الآية تحريض على قتال أولئك الذين نكثوا
أيمانهم وأرادوا إخراج الرسول من مكة.
حيث قال: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليُثبتوك أو
يقتلوك أو يخرجوك} (8: 30)
وقال في سورة الممتحنة : {يخرجون الرسول وإياكم
أن تؤمنوا بالله ربكم} (60: 1)
وقال في موضع: {وإن كادوا ليستفزوك من الأرض
ليخرجوك منها} (17: 76)
ثم هذا العداء والحقد لا يتوقف عند ذاتك
الكريم، بل يتعدى إلى كل من آمن بك واستخلفك، ليُخرجوهم منها، وليسيطروا عليها،
وهم بدؤوكم بالقتال، بحيث نقضوا ما ورد في وثيقة صلح الحديبية، بمناصرة بني بكر،
مع تفصيله المذكور. فأنتم لماذا تخشون محاربتهم، وإلهكم إله واحد، فاتبعوه،
وقاتلوا في سبيله، بحيث تساوركم هموم المحافظة على ضوابطه وقواعده، والسعي إلى
نشرها وتبليغها. (تفسير القرآن)
الحمية الإيمانية:
فيها إثارة غيرتهم الإيمانية على الكفار بعدم
التخوّف منهم، لأن أحداً لا يليق بالخشية إلا الله، القادر المختار. {أتخشونهم} لِمَا
لديهم من العدد والعُدّة أكثر منكم؟ ولاشك أن الخوف عند كثرة العدد والعُدة طبيعي،
ودفعه بقوة الإيمان بالله وتثبيته. (التفسير الماجدي)
أي تقوية الإيمان بالله تعالى علاج طبيعي
للخوف، لذلك أشار إليها بقوله {إن كنتم مؤمنين}.
جملة عجيبة من القرطبي..
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {فالله أحق
أن تخشوه}..
«أي تخافوا عقابه في ترك قتالهم، من أن تخافوا
أن ينالكم في قتالهم مكروه».
البيان الرازي:
أورد الإمام الرازي كلاماً مفصلا في تفسير هذه
الآية، وفيما يلي نذكر ملخصه:
ربط.. اعلم أنه تعالى لما قال {فقاتلوا أئمة
الكفر} أتبعه بذكر السبب الذي يبعثهم على مقاتلتهم، فقال: {ألا تقاتلون قوما
نكثوا}.
ثلاثة أسباب: واعلم أنه تعالى ذكر ثلاثة أسباب،
فإن توفر فيهم سبب واحد وجب قتالهم، ناهيك عن قتالهم عند اجتماع الأسباب الثلاثة
معاً:
1- الغدر... ففيها إشارة أن قتال من غدر من
المشركين أولى من قتال غيرهم، ليعتبر بهم غيرهم.
2- همهم بإخراج الرسول ·... من أحد الأسباب
المهمة التي تستدعي وجوب القتال.
3- بدءهم القتال.
مزيد من أسباب التحريض على
القتال..
بعد ذكر الأسباب الثلاثة قال: {أتخشونهم فالله
أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين} وبه تقوّى حكم قتالهم بأربعة أوجه أخرى، وهي:
1- تأكيد حكم القتال بذكر الأسباب المذكورة 2-
إثارة الغيرة بقول: أتخشون فلانا، حتى لا يخشوهم، ويقاتلوهم. 3- أشار بقول {فالله
أحق أن تخشوه} إلى أن أحداً إن كان لائقا بالخشية فهو الله سبحانه وتعالى، فاخشوه،
فلا أحد يبلغه في القوة والعظمة والجلال، ولا ضرر أكبر من القتل تُصابون به من
الكفار، (ولا مفرّ من الموت)، وينالكم خزي الدنيا والعذاب الشديد يوم القيامة، (إن
عصيتموه).
2- {إن كنتم مؤمنين} دل بمفهوم المخالفة على
عدم الإيمان إن لم يجاهدوا، وباختصار حرّض الله تعالى بالأمور السبعة المذكورة على
القتال.
التحريض على فتح مكة:
رُوي عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت في التحريض
على فتح مكة، وردّه الحسن، وقال لا يمكن ذلك، لأن سورة البراءة نزلت بعد سنة من
فتح مكة. (موجز ما ورد في التفسير الكبير)
وإليه مال التهانوي، وقال إنها نزلت قبل فتح
مكة، للترغيب في فتحها، لكن أكثر المفسرين على أنها نزلت بعد الفتح. (والله أعلم
بالصواب)
�دة الأصنام وهو حال من الواو في يعمروا، والمعنى
ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متضادين عمارة متعبدات الله مع الكفر بالله
وبعبادته. {أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون} دائمون». (المدارك)