{سورة التوبة مدنية، الآية : 16}


بسم الله الرحمن الرحيم

ملخص معاني الآية:

ومن أحد منافع مشروعية الجهاد وحِكَمه ابتلاءكم وامتحانكم، ليعلم المجاهد منكم من غيره، الذين يضحون بالروح والغالي في سبيل الله، ولم يتخذوا من دون الله ورسوله ولا المؤمنين بطانة يُطلعونهم على الأسرار، ولو كانوا ذوي القربى، هذا هو المقياس الذي يُختبر به إيمانهم، ولا يمكن تحقيق الانتصار ما لم يتم المشاركة العملية في الجهاد، والله عليم بما تعملون، فيجازيكم حسب أعمالكم، إن تنشطتم في الجهاد فجزاء مثله، وإن تكاسلتم فمثله. (موجز ما ورد في بيان القرآن)

بالجهاد يتميز المؤمن الحقيقي من غيره:

قال صاحب أنوار البيان:
ثم قال محرّضا على الجهاد: {أم حسبتم أن تُتركوا..} بدون امتحانكم؟ كلاّ سوف تُختبرون، وسيعلم الله الذين جاهدوا منكم، والذين أخلصوا حبهم لله ورسوله، فإنهم يتميزون عمن تخلف عن الجهاد، واتخذوا الكفار والمشركين بطانة. ومضمون الامتحان ورد في غير هذه الآية أيضاً، كما في قوله تعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} وفي سورة العنكبوت {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم يفتنون}. (أنوار البيان)

بالجهاد يتميز المؤمن من المنافق:

ذكر القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
قال: ولما فرض القتال تبين المنافق من غيره، وتميز من يوالي المؤمنين ممن يعاديهم. (التفسير الكبير)

ملحوظة:

ما من قُطر من أقطار الأرض يستمر الجهاد فيه إلا وتلاحظون صنفين من الناس، الأول من يقاتل مع المشركين، والثاني: من يناصر المشركين، ويزوّدهم بالمعلومات، ويتخذهم بطانة، وقبل بدء المعركة كانوا يدّعون الإسلام، وما إن بدأت المعركة حتى تميّز المنافق من المؤمن، يهرب المنافق إلى المشرك ليجد لديه ملاذاً آمناً، يقسم له بالولاء ويتحالف معه، وهكذا بفضل الجهاد يتميز المنافق من المؤمن. (والله أعلم بالصواب)

صنفان من الامتحان:

هذه الآية تذكر نوعين من الامتحان عند الإمام الرازي رحمه الله، الأول من يجاهد ومن لا يجاهد ممن يدّعي الإيمان، ثم الذي يجاهد لأيّ غرض يجاهد، لله أو لغرض من أغراض الدنيا، فيتودّد إلى المشركين ويواليهم، فمن أخلص نيته في الجهاد فهو مؤمن، ومن جاهد لغرض من أغراض الدنيا وتودد إلى الكفار فهو منافق.
وفيما يلي نص ما قاله الإمام الرازي:
«والمقصود من ذكر هذا الشرط أن المجاهد قد يجاهد ولا يكون مخلصا بل يكون منافقا، باطنه خلاف ظاهره، وهو الذي يتخذ الوليجة من دون الله ورسوله والمؤمنين، فبيّن تعالى أنه لا يتركهم إلا إذا أتوا بالجهاد مع الإخلاص خاليا عن النفاق والرياء والتودد إلى الكفار وإبطال ما يخالف طريقة الدين». (التفسير الكبير)

لا تتخلوا عن الجهاد إن كنتم مسلمين:

قال صاحب «تفسير الفرقان» تحت هذه الآية:
«لاشك أن الدنيا كلها تُعادي المسلمين، ما من حكومة من الحكومات الأجنبية إلا وتطمع في القضاء عليهم، فإن مدّت يد الغوث والتعاون إليهم فبنية الكيد والمكر والدجل والخُبث، وللوقاية من شرهم وخبثهم وجب تحريض المؤمنين على الجهاد، إذ سر حياتهم الجهاد في سبيل الله، أحاط بهم العدو كلما تخلّوا عنه ليدمروهم، لذلك أشار إلى أنكم لا تهدأون ما لم يتم تمحيص المجاهدين من غيرهم».
قال الله تعالى في موضع: {أَحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون} (29: 2) وقال في موضع: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأسآء والضرّآء وزُلزلوا} (2: 214) وقال في موضع: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} (3: 179) وليس الغرض من هذا الجهاد إراقة الدماء، بل الغرض منه:
(أ) توضيح مدى استفادتكم من توجيهات الرسول في تثقيف الخُلق وتهذيب النفس، والإشارة إلى القدر الذي اكتسبه كل فرد من أفراد الأمة الإسلامية من شخصية الرسول ·.
(ب) الإشارة إلى الفارق الكبير بين أمة محمد · وغيرها من الأمم في اتباع الرُسل. فقد قال بنو إسرائيل لنبيهم: {فاذهب أنت وربُّك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون}.
(ج) سوف يُنعم الله عليهم بالمُلك، وما لم يتم الاستعداد لتولي هذه الخدمة المهمة، لا يمكن العمل بالدين، فكأنّ إسلام المرء دليل على تهيئته لمواجهة الفتن والمحن، تذكروا ما قال العباس بن عبد المطلب ليلة العقبة إذ تعاهد أهل المدينة على الحماية والدفاع، وهم ثلاث وسبعون رجلا وامرأتان: تعلمون أن قريشا تعاديه، فإن تتعهدون على الحماية والإيواء فأصعب ما تتعهدون، فوالله لتعاهدكم به إنما هو تكفلكم حروبا سوداء وحمراء.
يظنون من السهل الدخول في الإسلام.                             (تفسير القرآن)

في الآية إشارة إلى الحروب:

 قال اللاهوري في تفسير هذه الآية:
يتم دحر المشركين وتدميرهم بأيديكم، لا مفر لكم من النزول إلى الميدان، حتى يميز الله الخبيث من الطيب. (حاشية اللاهوري)

قتال الأقارب لأجل الدين:

والمعنى: حان الآن موعد الامتحان الحقيقي، إذ يضطرون إلى مقاتلة أقاربهم وذويهم، والتضحية بكل رابطة ومودة من أجل الدين والإسلام والله ورسوله. (التفسير الماجدي)

وليجة؟ موالاة الأجانب:

كلمة الوليجة مأخوذة من الولوج، وهو الدخول. قال القرطبي: وقال أبو عبيدة: كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة..
والرجل يكون في القوم وليس منهم وليجة.
فهؤلاء المشركون ليسوا منكم يا أهل الإسلام، فلا تتخذوهم بطانة.
وقال القرطبي رحمه الله: معنى الوليجة: البطانة، أي الصديق الحميم والحليف. (وقد سبق تحقيق معنى البطانة في سورة آل عمران).
وقيل: وليجة بطانة، والمعنى واحد نظيره.
لا تتخذوا بطانة من دونكم. (آل عمران 118) وقال الفراء: وليجة بطانة من المشركين يتخذونهم ويفشون إليهم أسرارهم ويعلمونهم أمورهم. (القرطبي)
وفي معارف القرآن:
أشارت الآية إلى علامتين من علامات المخلصين من المؤمنين، الأولى: جهادهم في سبيل الله. الثانية: أن لا يتخذوا الكفار بطانة يودون إليهم. ومعنى كلمة «وليجة» في الآية : الدخيل وصاحب السر، وفي آية بمعنى «البطانة» والمراد منه: كل من كان مطلعاً على الأسرار والخبايا. (معارف القرآن)
وفي التفسير المظهري:
معنى الوليجة: البطانة الخبير بالأسرار. (التفسير المظهري)

الإشارة إلى بقاء المجاهدين:

قال العلامة ثناء الله الباني بتي رحمه الله:
في قوله تعالى {ولمّا يعلم الله} إشارة إلى جواز تعليق الآمال بعدم خلو أمة محمد · من المجاهدين المخلصين.
وقد قال النبي ·: لا تزال طائفة  من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك. (أي ينصرهم الله ويؤيدهم، فلا يضرهم من عاداهم) حتى يأتي أمر الله. (أي تقوم الساعة) رواه الشيخان في الصحيحين عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. (التفسير المظهري)