بسم الله الرحمن الرحيم
{إنّما يعمر مساجد الله من آمن
بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن
يكونوا من المهتدين}.
ملخص معاني الآية:
لا يعمر المساجد إلا من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر بقلبه، ويواظب على فروض الإسلام من الصلاة والصوم والزكاة، ولا يخاف أحداً
إلا الله، ويستعد للجهاد والقتال دفاعا عن المساجد وحماية لها، فهؤلاء المؤمنون
الذين أطاعوا ربهم بالقلب واللسان والجوارح والمال والثروة يعمرون مساجد الله،
وأخرجوا المشركين الذين يدّعون إعمار المساجد من مكة ولو كانوا ذوي قرابة، لأن
بوجودهم الآثم لا يحصل شيء من إعمار المساجد، كل ما يعول ببقاءهم هناك هو خراب
المساجد. (خلاصة التفسير العثماني وغيره)
نكتة :
لا يمكن المحافظة على المساجد إلا بالجهاد،
والدعوة إلى الجهاد لا تنطلق إلا من المساجد، وفيها يتدربون عليه، فإعمار المساجد
من مسئوليات المجاهدين المؤمنين بالله، وما من مجاهد ابتعد عن المساجد إلا وضعف
جهاده، فالواجب عليهم أن يعمروا مساجد الله، ويحموها، تأمّلوا في معنى الآية
الكريمة، ولاحظوا سياقها وسباقها، تُدركون هذه النكتة المهمة. (والله أعلم
بالصواب)
فوائد:
تناولت الآية الإيمان بالله، ولم تتناول
الإيمان بالرسول؟ الرد عليه: إن الإيمان بالله يشمل الإيمان بالرسول، إذ هما لا
يفترقان، كما لا يفترقان في كلمة الإسلام والأذان والإقامة والتشهد. والرد الثاني:
إن الآية تناولت الصلاة والزكاة، وهي من الأمور التي جاء بها الرسول ·، فثبت
الإيمان بالرسول.
قال الرازي:
ولم يذكر الإيمان بالرسول عليه السلام، لما علم
أن الإيمان بالله قرينة الإيمان بالرسول لاقترانهما في الأذان والإقامة، وكلمة
الشهادة وغيرها، أو دل عليه بقوله: {وأقام الصلاة وآتى الزكاة}. (المدارك)
2- {ولم يخش إلا الله} بأن يخاف غير الله فيما
يتعلق بالدين فيعصيه، أو أن يمتنع عن عبادة الله خوفا من أن يصيبه أذى من غيره،
وليس المراد من الخوف الخوف الطبيعي الذي لا يمكن الاحتراز عنه، مثل الخوف من الحية
والثعبان والوحوش المفترسة والعقارب.
إن قيل: ما من مؤمن إلا وقد خشي غير الله، وما
زال المؤمنون والأنبياء يخشون الأعداء من غيرهم. قيل له: المعنى ولم يخش إلا الله
مما يعبد، فإن المشركين كانوا يعبدون الأوثان ويخشونها ويرجونها. جواب ثان: أي لم
يخف في باب الدين إلا الله. (القرطبي)
فمعنى قوله {ولم يخش إلا الله} : أن لا يخاف
أحداً فيما يتعلق بالدين، ولا يتخلى عن حكم من أحكامه خنوعا له، فأما الخوف من الأشياء
المخيفة فذلك أمر طبيعي، يخاف الناس من الحيتان والثعابين واللصوص وقطاع الطرق،
لذلك لمّا حوّل السحرة الحبال والعصي إلى الحيتان والثعابين بين يدي موسي عليه
السلام خاف منها.
كما قال الله تعالى {فأوجس في نفسه خيفة موسي} فالخوف
الطبيعي من الحيوانات المؤذية لا يخالف الحكم القرآني، ولا الرسالة والولاية، أما
المغلوبية به والتخلي عن أحكام الله تعالى أو تركها فهذا ما لا يليق بحال المسلم،
وهذا هو المراد هنا. (معارف القرآن)
{إنما يعمر مساجد الله} ماهي الأمور التي
يشملها عمارة المساجد؟
قال النسفي:
عمارتها رم ما استرم منها وقمها وتنظيفها
وتنويرها بالمصابيح وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا، لأنها بنيت
للعبادة والذكر، ومن الذكر درس العلم. (المدارك)
وفي تفسير المظهري:
والمراد بعمارة المساجد: العبادة والذكر والعلم و تعليم القرآن فيها،
ومن ضمن إعمار المساجد إعادة بناءها، وتزيينها، وإنارتها، وحمايتها مما لا ينبغي
لها، مثل البيع والشراء وحديث الناس. (المهري)
وفي أنوار البيان:
بناء المساجد وتنظيم شئونها، وترميمها، وقضاء
حوائج المصلين من ضمن إعمار المساجد، وهناك إعمار آخر يكبر عن الأول، وهو أن تكون
عامرة بالمصلين والذاكرين والتلاوات، وحلقات الدروس، إذ المساجد لا تُبنى إلا لها.
روى أبو سعيد الخدري عن النبي · أنه قال: إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا
له بالإيمان. لأن الله تعالى قال {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم
الآخر} (مشكاة عن الترمذي وابن ماجة). (تفسير أنوار البيان)
في المسجد النبوي الشريف كانوا يدعون الناس إلى
الجهاد، ومنه يؤذن بالجهاد، وتُجمع الأموال له، ويُنظّم شئونه فيه، والمساجد من
أصلح المواضع له، فالأولى تشغيل المساجد بها. (والله أعلم بالصواب)
4 {فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} هذا وعد
بأولئك المذكورين، أنهم سوف ينالون غايتهم، وهي النجاة من النار والدخول في الجنة.
(الماجدي)
والمعنى أن الله سبحانه وتعالى يدلهم على طريق
التوصل إلى الجنّة. يوفّقهم لعمل الطاعات والصالحات في الدنيا، تكون ذريعة ووسيلة
للدخول في الجنة يوم القيامة. (أنوار البيان)
فائدة:
وقد جمع المفسرون في تفاسيرهم من ابن كثير
وغيره أحاديث فضائل المساجد تحت هذه الآية الكريمة، وكذا من الأحاديث ما تتعلق
بفضل بناء المساجد، وتنظيها، والجلوس فيها وغيرها من الأمور، كلها تؤكّد على منع
حديث الناس فيها.