بسم الله الرحمن الرحيم
{واَذَانٌ من الله ورسوله إلى
الناس يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسولُه. فإن تبتم فهو خير لكم وإن
توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله. وبشّر الذين كفروا بعذاب أليم}.
ملخص معاني الآية:
وصف الحج بالأكبر لأن العمرة حج أصغر، والمراد
من «يوم الحج الأكبر» العاشر من ذي الحجة «يوم العيد»، أو التاسع من ذي الحجة «يوم
عرفة».
الإعلان الذي جاء في هذه الآية كان موجَّهاً
إلى أولئك الذين كان بينهم وبين المسلمين عهد إلى أجل، ثم نقضوه، وهم قريش وبنو
بكر حلفاء قريش. والمعنى أن العهد قد زال، وما بقي شيء منه، فإن تابوا عن الشرك
والكفر فذلك خير لهم في الدنيا والآخرة، وإن تولّوا فإن الله قد أراد تطهير
الجزيرة العربية من دنس الكفر والشرك، ولا يمكن للكفار والمشركين أن يعجزوه، وسوف
ينالون عقوبة أعمالهم.
(ملحوظة): لاشك أن تلك القبائل نقضت العهد قبل
سنة ثمان من الهجرة، وترتب عليه فتح مكة سنة تسع، لكن الإعلان جاء سنة تسع بموسم
الحج، ليعلم جميع من كان على شاكلتهم أن ميثاقهم قد تم فسخه وإزالته، وأنه ما بقي
شيء بينهم وبين المسلمين بعد الآن. (مفهوم التفسير العثماني)
أقوال المفسرين:
{اَذَان من الله ورسوله} والأذان بمعنى الإيذان
وهو الإعلام. (المدارك)
{إلى الناس} الناس هنا جميع الخلق. (القرطبي)
وقال النسفي:
لأن البراءة مختصة بالمعاهدين والناكثين منهم،
وأما الأذان فعام لجميع الناس من عاهد ومن لم يعاهد ومن نكث من المعاهدين ومن لم
ينكث. (المدارك)
وقال الرازي:
وهي عامة في حق جميع الناس، لأن ذلك مما يجب أن
يعرفه المؤمن والمشرك من حيث كان الحكم المتعلق بذلك يلزمهما جميعا، فيجب على
المؤمنين أن يعرفوا الوقت الذي يكون فيه القتال من الوقت الذي يحرم فيه. (التفسير
الكبير)
{يوم الحج الأكبر}
في تفسيره مبحثان:
المبحث الأول: في المراد منه، وفيه ثلاثة
أقوال: الأول: التاسع من ذي الحجة، وهو يوم عرفة. الثاني: العاشر من ذي الحجة، وهو
يوم النحر. الثالث: المراد منه جميع أيام الحج. أي أيام منى كلها. ويكثر استعمال
لفظ «يوم» بهذا الشكل، كيوم صفين، ويوم بُعاث.
وللتوسع حول الأقوال الثلاثة يُرجى مراجعة
التفسير القرطبي والتفسير الكبير وغيرهما.
والمبحث الثاني: حول الحج الأكبر، هل اُطلق
عليه هذا اللفظ بمناسبة خاصة، أم أنه يُطلق على كل حج؟ فأكثر أهل العلم على أن
المراد منه مطلق الحج، لأن الحج الأصغر يُطلق على العمرة، وقيل: لا بل تم إطلاق
الحج الأكبر على السنة التاسعة من الهجرة لمناسبة خاصة، وللتفاصيل يُرجى مراجعة «البحر
المحيط» و«التفسير الكبير».
{أنَّ اللهَ بريء من المشركين ورسولُه} أي الله
ورسوله يتبرءان من توفير الحماية والأمان لهم. (التفسير الماجدي)
موجز قصة البراءة:
أعاد مفهوم البراءة بلفظ {وأذان من الله
ورسوله} وقد تم الإعلان عنها في المواقف سنة تسع من الهجرة بإيفاد أبي بكر وعلي
رضي الله عنهما، كما شمل الإعلان العديد من الأمور الأخرى، أمر أبو بكر أبا هريرة
بالإعلان عن البراءة.
ففي الصحيح عند البخاري (2/271) عن أبي هريرة
أنه قال: في الحج الذي أمّر النبي · أبا بكر، كنتُ من ضمن من كلّفه أبو بكر بإبلاغ
المشركين، فأعلنّا بأعلى أصواتنا: «ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت
عريان» وكان النبي · قد أمّر أبا بكر، وأرسله للحج، ثم أتبعه بعلي بن أبي طالب
ليُعلن، وذلك أن البعض أشاروا على النبي · أن العرب لا يعتبرون بالإعلان بالنقض
والوفاء إن لم يكن المعلن من نفس القبيلة، وما فعله النبي · من العهد والميثاق مع
المشركين كان باعتباره إمام المسلمين، وليس نيابة عن قبيلة أو عشيرة، وبما أن من
الناس من قد يعتبره بين بني هاشم والمشركين، لذلك أوفد علي بن أبي طالب لإعلان
البراءة، إذ هو هاشمي. وكان علي بن أبي طالب يعلن بالبراءة كما وردت في سورة
البراءة، ويُبلغ المشركين بها، لكن رجلا واحدا لم يكن كافيا نظراً إلى حجم الجمع
الذي اجتمع لأداء مناسك الحج، لذلك أمر أبو بكر أبا هريرة وغيره من الصحابة
بالإعلان.
وفي معالم التنزيل (267/2) عن زيد بن تبيع أنه
سأل عليا، عن أي شيء أمر بتبليغه في هذا الحج؟ فقال: أمرني بالإعلان عن أربعة
أشياء، أن لا يطوف بالبيت عريان، وأن الذين عاهدهم النبي · يتم عهدهم إلى مدتهم،
والذين لم يعاهدهم فلهم أربعة أشهر، يسيرون في الأرض خلالها، لا يتعرض لهم مسلم،
وبعدها لا أمان لهم على دمائهم وأموالهم، والثالث: لا يدخل الجنة إلا مؤمن.
والرابع: لا يحج بعد العام مشرك.
وقال صاحب معالم التنزيل (266/2) اُمهلوا لمدة
أربعة أشهر، فلا حماية لدمائهم وأرواحهم بعدها، وأولها يوم الحج الذي تم الإعلان
فيه، وستستمر إلى العاشر من ربيع الآخر، لأن العدة بالمدة بعد الإعلان. (أنوار
البيان)
ر والخيانة، ولا عبرة
بمحافظة بعضهم على وعودهم إن كان معظمهم لا يحافظون عليها، وعلى كل حال لا يمكن
لله ورسوله أن يعاهد قوما خائنا غداراً. أما القبائل التي عاهدتموها عند المسجد
الحرام، فلا تنقضوا عدها إن استقاموا عليه، واستقيموا معهم إن استقاموا، واحذروا
من أن تفرطوا في أمر تافه، فيشيعوا الغدر والخيانة عنكم، والله يحب الذين يخافونه.
وبما أن بني كنانة حافظت على عهدها، لذلك أتم المسلمون معهم العهد إلى مدته، وكانت
تسعة أشهر قد بقيت عند إعلان البراءة، فحافظوا عليها». (التفسير العثماني)