{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5)}.
ملخص معاني الآية:
أمر الله المؤمنين بالجهاد.
أنزل الله السكينة على قلوب المؤمنين.
قضى الله استخدام جنوده في الأرض من
المجاهدين لانتصار الإسلام وإظهاره..
ليُدخل الله المؤمنين والمؤمنات جنات
تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها، ويُكفّر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا
عظيما. ففيه مغفرة ذنوبه كلها، وإدخاله في الجنة للخلود فيها.
في الأمر بالجهاد فوز للمسلمين:
وفي تفسير الجلالين:
أمر الله المؤمنين بالجهاد ليدخل
المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، ويكفر عنهم سيئآتهم،
وكان ذلك عند الله فوزا عظيما.
{ لِيُدْخِلَ} متعلق بمحذوف أي أمر
بالجهاد {الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ
فَوْزًا عَظِيمًا (5)}. (الجلالين)
انتصارات النساء في الجهاد؟
لا جهاد على النساء، فكيف دخولهن في هذه
الآية الكريمة؟ أجاب عنه المفسرون بعدة أجوبة، قالوا:
(1) في التفسير الحقاني:
لقد كان الخطاب موجها إلى الرجال في
عموم الحالات، والنساء تبع لهم، ولمّا ذكر الجهاد ونعيمه، والنساء لا يشاركن فيه،
فقد يظن ظان أنه لا نصيب لهن من الأجر والثواب رغم ما يقدمن من تضحيات عقب مغادرة
الزوج الدار، فهن يزوّدنهم بالزاد، ويُجهّزنهم نفسيا للقتال، ويرفعن معنوياتهم،
ويحافظن على بيوتهم أثناء غيبوبتهم عنها، لذلك ذكرهن الله ضمن الذين يدخلهم جنات
تجري من تحتها الأنهار. وبما أن نساء الضالين المضلين يشاركنهم في أعمالهم، لذلك
ذكرهن في الآيات التي تلي. (الحقاني)
وهذا الذي ذكره الحقاني مشابه لما ذكره
صاحب التفسير الكبير وروح المعاني.
(2) وفي التفسير العثماني:
ذكر المؤمنات للتعميم، أي سواء كان رجلا
أم امرأة، لا يضيع الله إيمانهم وجهودهم، وقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أن أم
المؤمنين أم سلمة رضي الله تعالى عنها كانت ترافق النبي · في سفر الحديبية.
(العثماني)
(3) وملخص ما كتبه الشيخ أشرف علي
التهانوي رحمه الله أن الله أمر الرجال بالجهاد والصلح، فإن هم أطاعوا دخلوا
الجنة، ومثلهم النساء إن أطعن الله ورسوله فيما اُمرن، دخلن الجنة. (بيان القرآن)
والسبب أن نساء المؤمنين وافقن بقلوبهن
على ما أمر الله به من الجهاد والصلح، لذلك أدخلهن فيمن يدخل الجنة. (بيان القرآن)
(4) من الصعب خروج الرجال في الجهاد
ونجاح حركات الجهاد بدون رضا النساء وموافقتهن، ما من جهاد جاهده رسول الله ·
وأصحابه وإلا وكان للنساء فيه دورا عظيما، وفي آخر الزمان في جهاد الإمام المهدي
يساعدن النساء. ونساء المؤمنين إن منعن رجالهن من الجهاد، وما حافظن على بيوتهم
بعد مغادرتهم لمنازلهم، وقمن بعرقلة حملات جمع التبرعات للجهاد، كيف يمكن للرجال
الخروج في سبيل الله. فالواجب على المؤمنات الإيمان بالجهاد والمساعدة فيه، وإنكار
فريضة الجهاد كفر، سواء كان المنكر رجلا أو امرأة، فما من امرأة تؤمن بالجهاد
وتصدقه، وتساعد فيه بما تطيق، إلا وبشرها الله بمغفرة ذنوبها ودخولها الجنة.
(والله أعلم بالصواب)
هي نتائج نزول السكينة:
أقام العديد من المفسرين الربط بين هذه
الآية وآية السكينة وزيادة الإيمان، فقد قالوا:
«أي أنزل الله السكينة وزادهم إيمانا مع
إيمانهم، ليُدخلهم الجنة معزّزين ومكرّمين، ويغفر تقصيراتهم وذنوبهم، وقد جاء في
الحديث أن ما من أحد بايع النبي · يوم الحديبية إلا وحرّم الله عليه النار».
(العثماني)
الحكمة في استخدام جنود الأرض:
وقيل: هذه الآية مرتبطة بقوله تعالى
{ولله جنود السماوات والأرض} إن شاء أهلك الكفار بجنود السماوات من الملائكة
وغيرهم، لكنه عليم حكيم، فقد اقتضت حكمته أن يقوم به جنود الأرض من الغزاة
المجاهدين ليُعلي كلمته، وليغفر لهم ذنوبهم بفضل شهودهم الجهاد، ويُدخلهم جنات
تجري من تحتها الأنهار.
لاحظوا النص التالي:
في الآية السابقة قال {وكان الله عليما
حكيما} والآن يشير إلى سبب نصر الإسلام بجنود الأرض بقوله {ليدخل المؤمنين والمؤمنات
جنات تجري من تحتها الأنهار ويكفّر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما}
وهل يتمنى الإنسان أكثر من ذلك؟ بعد مغفرة ذنوبه وخلوده في الجنة. (الحقاني)
لطلبة العلم:
ليدخل متعلقة بقوله {إنا فتحنا} وقيل
متعلقة ب {ينصرك} وقيل متعلقة بمحذوف يناسب المقام. (الحقاني)
سبب النزول:
لقد ذكر ابن كثير وغيره من المفسرين
حديث أنس بن مالك في سبب نزول هذه الآية الكريمة التالي:
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا
معمر، عن قتادة، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: نزلت على النبي صلى الله عليه
وسلم: { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } مرجعه
من الحديبية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على
الأرض"، ثم قرأها عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هنيئا مريئا يا نبي
الله، لقد بين الله، عز وجل، ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت عليه: { لِيُدْخِلَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ } حتى بلغ: { فَوْزًا عَظِيمًا } [الفتح
: 5]، أخرجاه في الصحيحين من رواية قتادة به.
طلب الجنة للاستكمال:
لقد أصلح الشاه عبد القادر رحمه الله
تعالى خطأ عظيما وقع فيه المسلمون في ضوء هذه الآية الكريمة، لاحظوا فيما يلي
نكتته الإيمانية في ألفاظ العلامة ظفر أحمد العثماني صاحب التفسير العثماني:
«يقول بعض الصوفياء المقلدين وبعض
الصالحين مغلوبي الحال: لا يطلب الجنة إلا من كان ناقصا، وهنا في الآية الكريمة رد
الله تعالى عليهم، و أكّد على أن طلب الجنة من الكمال». (العثماني)
لأنه تعالى قال: {وكان ذلك عند الله
فوزا عظيما}.
الجهاد كله نجاح:
من خلال قراءتنا لنصوص أهل العلم لم
نتوصل إلا إلى حقيقة واحدة، وهي أن ما من مسلم جاهد في سبيل الله، واطمأنّ به
قلبه، فقد أعدّ الله له الجنة والمغفرة، والمجاهد قد تصدر منه بعض التقصيرات في
الجهاد، فوعده الله بالمغفرة بشكل خاص. فهل بقي شيء يتمناه المسلم؟ (والله أعلم
بالصواب).