{وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7)}.
ملخص معاني الآية:
ومن أحد مصالح الجهاد أن الله يُعذّب به
المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات، إذ فيهم عيب آخر إضافة إلى عيب الشرك
والنفاق، وهو سوء الظن بالله، بأنه لم يعد بنصر الإسلام إلا وعدا كاذبا، (نسأل
الله العافية)، وأنه لا ينصرهم.
لهم أربع عقوبات:
(1) عليهم دائرة السَّوء.
(2) وغضب الله عليهم.
(3) ولعنهم.
(4) وأعد لهم جهنم.
يزعم المنافقون والمشركون أن النبي ·
والمسلمين لا يقدرون على إنزال الهزيمة بهم، فلله جنود السماوات والأرض، قادر على إهلاكهم
متى شاء، إنه عزيز حكيم. (ملخص ما ورد في التفسير الحقاني)
التعريب:
{يعذّب} عطفه على {يُدخل} والاحتمالات
التي كانت في متعلق {يُدخل} ترد هنا في {يعذّب}. وبناءً عليه فإن كثيرا من أهل
العلم ربطوا هذه الآية بالسكينة، أي أنزل الله السكينة على قلوب المؤمنين، ففتح
عليهم أبواب الفتوح والتقدم، ونزل عذابه على المنافقين والمشركين، وغلب عليهم
المسلمون، فقُتلوا واُسروا واُهينوا، إن عاشوا عاشوا في الحسرة والندامة، وظل
الإسلام يتقدم ويحقق انتصارات، وهؤلاء المنافقين ذابوا في الغم والحسد، كانوا يتنبّؤون
بسوء أحوال المسلمين، لكنهم ما أصابوا، إذ هي أحاطت بهم. (راجع المدارك والمظهري
وبيان القرآن والعثماني وغيرها)
تفسير جامع:
«وفي الجهاد مصلحة أخرى، وهي أن الله
يُتم حجته على المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات، ثم يعذبهم. يواجهون
القتل والأسر والسلب والنهب في الدنيا، وفي الآخرة يُلقون في نار جهنم فلا يخرجون
منها. أشار هنا إلى عيب جديد في المنافقين والمشركين، وهو {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ
ظَنَّ السَّوْءِ} يظنون أن ما وعد الله بتغليب الدين ونصره لا يتحقق، يقولون: ليس
لدى هؤلاء المسلمين من الإمكانيات الظاهرة ما تؤيد نصرهم، فكيف ينتصرون؟ فهي ليست
أكثر من وُعود كاذبة. فردّ الله عليهم بقوله: { عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
ثم قال : لا يغرنّكم ضعف الإمكانيات الظاهرة لدى المسلمين فإن {لِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} يفوّض إليها ما شاء من المهام، فهو
رب الجنود، ولا يقدر أحد على مواجهته، وهو عزيز حكيم، والقوة تزيد الحكمة نفعا.
(الحقاني بتسهيل يسير)
حُلم القضاء على المسلمين:
قال الله تعالى في المنافقين والمشركين:
{الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} قال المفسرون: معناه: يظنّون أن الإسلام
لن ينتصر على أعدائه، وأن المسلمين سوف يتمّ القضاء عليهم.
وقال العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى:
كانوا يظنّون أن رسول الله · والمؤمنين يُقتلون، وأن أعداءهم سوف يستأصلونهم.
«يظنون بالرسول · وأصحابه رضي الله عنهم
أن يقتلوا ويذهبوا بالكلية». (ابن كثير).
وقال أبو حيان رحمه الله:
وهو أن المشركين يستأصلونهم ولا
ينصرون». (البحر المحيط)
وفي التفسير المظهري:
يظنون أن الله لا ينصر نبيه والمؤمنين،
وأنه لن يعود إلى المدينة سالما. (المظهري)
وقال النسفي:
والمراد ظنهم أن الله تعالى لا ينصر
الرسول والمؤمنين، ولا يرجعهم إلى مكة ظافرين فاتحيها عنوة وقهراً. (المدارك)
لاحظوا جملة النصوص التي سردناها هنا،
ثم انظروا إلى ما يقول المشركون والكافرون والمنافقون اليوم، يقولون: هؤلاء
المجاهدون لا يستطيعون مواجهتنا لفترة طويلة، وسوف يتم القضاء عليهم، ثم لا يؤثر
لهم أثر. وبعضهم يقولون: ليس ما وعد الله بالنصر إلا غروراً. (أعاذنا الله منه)
وهؤلاء المجاهدون لا يمكنهم الاستمرار في مواجهة قوة المشركين وتقنياتهم الحديثة
إلا قليلا، وأنهم سوف يقضون عليهم. لاحظوا هنا إعجاز القرآن، كيف يحدّد أحوال كل
عصر وأهله.
حسرة أحد المنافقين:
إن تحققت انتصارات للمسلمين اليوم، فإن
المنافقين يعلّقون آمالا بهزيمتهم فيما تأتي من الأيام، وبالقضاء عليهم.
قال الإمام القرطبي:
و«لما اُبرم صلح الحديبية، قال عبد الله
بن اُبي بن سلول رأس المنافقين: أيزعم محمد · أنه إن صالح أهل مكة، أو فتحها، لم
يبق له عدو؟ ألا يدري أن الروم وفارس يعادونه، فأنزل الله الآية اللاحقة بأن لله
جنود السماوات والأرض».
وقيل لما جرى صلح الحديبية قال ابن اُبي
... الخ (القرطبي)
وهذا هو حال المثقفين المتغربين اليوم،
إن تحققت انتصارات للمسلمين لم يصدقوها، وفي المقابل صاروا يتشدقون بقوة الكفار وإمكانياتهم،
كما كان عبد الله بن اُبي بن سلول يُعلّق آماله بالروم والفُرس، يزعم أنهم يحققون
آماله.
لا تكرار..
قال الله تعالى في الآية 5 : { وَلِلَّهِ
جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } ثم قال في الآية السابقة: { وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) }. قال المفسرون: لا تكرار بينهما، لأن
المعنى في الآية الخامسة: إن الله قادر على نصر المؤمنين، والمعنى هنا: إن الله
قادر على إنزال الهزيمة بالمشركين، لذلك قال في الآية الخامسة: { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا
حَكِيمًا } وهنا في الآية السابعة قال: { وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } (التفسير
الكبير والبحر المحيط وبيان
القرآن والتفسير العثماني)
وفي التفسير العثماني:
«أي أراد الله أن يعاقبهم فمن يمنعهم من
الله، لأن جنود الله قادرون على تحطيمهم خلال لحظة، لكن الله عزيز حكيم، والحكمة
لا تقتضي تعجيل استئصالهم». (العثماني)