بسم الله الرحمن الرحيم
{ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ
مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ
تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا
مَعَ الْخَالِفِينَ (83)}.
ملخص معاني الآية:
الذين تخلفوا عن غزوة تبوك بسبب
نفاقهم، فُصلت أسماءهم عن ديوان الغُزاة، فإن أرادوا الخروج مع المسلمين فيما تأتي
من الأيام، قيل لهم: لن تخرجوا معنا، ولن تُقاتلوا معنا عدوا، فاقعدوا مع القاعدين
من النساء والأطفال والمشلولين والضعفاء والمسنين، والأفضل أن تموتوا على الذي
اخترتموه لأنفسكم في المرة الأولى، كي تذوقوا العذاب الأليم. (مستفاد من التفسير
العثماني)
المنافقون
لا يحبون الجهاد:
حُكم عليهم بالنفاق لتخلفهم عن
الجهاد، وظهرت بطانتهم الشريرة، والآن يسعون إلى إزالته بطريق أو بآخر، فجميع
تحركاتهم ليست إلا لهذا الغرض، لذلك لا يُسمح لهم بالمشاركة في الجهاد». (حاشية
اللاهوري رحمه الله)
لن تخرجوا معي.. أمر أو خبر؟
قال الله تعالى: {لن تخرجوا معي
أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا} فهل هذا تنبؤ بالمستقبل وخبر عما يكون فيما تأتي من
الأيام أم أن فيها أمراً بعدم الخروج، للمفسرين قولان، وملخصهما لاحظوا فيما يلي:
«(معنى الآية) لن أخرج معكم بعد
اليوم، أي بما أنكم فضّلتم التخلف عن الخروج، لذلك عليكم أن تقعدوا مع القاعدين
المعذورين من النساء والصبيان، فكونوا معهم، هم لا يخرجون لأعذارهم، وأنتم لا
تخرجون بلا أعذار، لن تخرجوا معي.
قال صاحب الروح: هو إخبار بمعنى
النهي للمبالغة.
وقال بعض المفسرين: معناه : إن
استئذانكم للخروج مع رسول الله ليس إلا كذبا ومراوغة، وكسبا للدنيا، فلن تخرجوا
معنا إذا خرجنا، بل تقعدون مثلما قعد أولئك الذين عذّرهم الله، وعُدّوا أنفسكم
منهم، لأنكم تخدعون المؤمنين باستئذان كاذب. (فهو خبر بمعنى الخبر وهو المتبادر من
لفظ التنزيل العزيز) (أنوار البيان).
{طائفة
منهم} فيها إشارة إلى طائفة منهم:
المتخلفون كانوا على عدة أوجه،
لذلك قال: {إلى طائفة منهم} الذين تخلفوا عن الغزو لنفاقهم.
قال أبو حيان:
لأن منهم من مات، ومنهم من تاب وندم،
ومنهم من تخلف لعذر صحيح، فالطائفة هنا الذين خلصوا في النفاق وثبتوا عليه، هكذا
قيل. (البحر المحيط)
قال الشاه عبد العزيز رحمه الله:
معنى قوله تعالى: {فإن رجعك الله
إلى طائفة منهم} كانت الآية نزلت في السفر، والمنافقون كانوا بالمدينة، وقال
«طائفة» لأن بعض المنافقين ماتوا، والقاعدون عن الجهاد لم يكن جميعهم منافقين، فقد
كان فيهم بعض المسلمين المقصّرين الذين عفا الله عن تقصيراتهم. (موضح القرآن)
من
الخالفين؟
قال تعالى: {فاقعدوا مع الخالفين}
ذكروا في معناه أربعة أقوال:
(1)
الذين تخلفوا لعذر مثل المريض والضعفاء والمسنين
والصبيان والنساء وغيره.
(2) أي الذين لم يخرجوا للجهاد
لمخالفتهم للدين.
(3) أي الفاسدين العصاة.
(4) أي مع الأذلاء الخبثاء.
ولفظ «خالف» يستعمل للمعاني
المذكورة كلها، راجع للتفصيل القرطبي والبحر المحيط والتفسير الكبير.
فضل
القتال:
{فقل لن تخرجوا معي أبدا} لاشك أن
الخروج المذكور ليس إلا للجهاد، فمعنى الآية: إن خرجنا نحن للجهاد فلن ترافقوننا.
ثم قال : {ولن تقاتلوا معي عدواً} ما وجه ارتباطها بالآية السابقة؟ وما فائدة ذكر
القتال بعد أن دلت الآية الأولى على القتال، لأن الخروج لا يكون إلا للقتال.
(1)
قال صاحب روح المعاني:
«وذكر القتال كما قال بعض المحققين لأنه
المقصود من الخروج، فلو اقتصر على أحدهما لكفى إسقاطا لهم عن مقام الصحبة ومقام
الجهاد أو عن ديوان الغزاة وديوان المجاهدين، وإظهارا لكراهة صحبتهم وعدم الحاجة
إلى عدهم من الجند». (روح المعاني)
(2)
وقال أبو حيان رحمه الله تعالى:
وانتقل بالنفي من الشاق عليهم وهو الخروج إلى الغزاة إلى الأشق، وهو قتال العدو،
لأنه أعظم الجهاد وثمرة الخروج وموضع بارقة السيف التي تحتها الجنة. (البحر
المحيط)
منع
استصحاب من يُضعف معنويات المجاهدين:
قال القرطبي
بعدما ذكر تفسير الآية:
وهذا لا يدل
على أن استصحاب المخذّل في الغزوات لا يجوز. (القرطبي)
وفي تفسير
الفرقان:
«لقد وصلوا
في النفاق إلى درجة ليس من المصلحة إدخالهم في جماعة المسلمين، لأنهم إن دخلوا
سعوا إلى الانتقام من المسلمين واحدا بعد واحد، ويعملون لإحقاق ما لديهم من القول
والفعل. قالوا ما فعلناه كان الأصلح، وأدل على دهاءنا وحنكتنا. لذلك قيل للنبي · :
{فإذا رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا} لأنكم
خدعتم وقت الحاجة، لذلك ليس من المصلحة الثقة فيكم، ما أتيتم لتشاركونا إلا بعدما
رأيتم أننا قد انتصرنا على العدو» (تفسير الفرقان)