بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ
مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ
وَهُمْ كَافِرُونَ (85)}.
ملخص معاني الآية:
(1)
(لا يصاحبك المنافقون في الجهاد
مهما عاشوا) ولا تصل على أحد منهم مات أبدا، ولا تقم على قبره للدفن والدعاء،
لأنهم كفّار، وماتوا على الكفر والعصيان.
(2) أموالهم وأولادهم ليست
بنعمة لهم، إنما هم وسيلة تعنتهم على النفاق.
(3) زيادة المال تخلق كثيرا من
أوجه النفاق، لذلك لا يجبن المسلمون على انفصال هذا النوع من الأثريا عن جماعة المسلمين.
سبب
النزول والتفسير الشامل للآية:
لقد تناول المفسرون هذه الآية التي
نزلت في جنازة المنافق بالتفصيل، وفيما يلي نلخصها:
ففي
الصحيح عند البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ
ابْنُ سَلُولَ دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ
عَلَيْهِ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبْتُ
إِلَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَقَدْ قَالَ
يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا قَالَ أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ فَلَمَّا
أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ
زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرْ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا قَالَ فَصَلَّى عَلَيْهِ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَمْكُثْ
إِلا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ الآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةَ {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ
مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا إِلَى قَوْلِهِ وَهُمْ فَاسِقُونَ } فلم يصل النبي · على
منافق بعده، كما في فتح الباري 8/336.
والسؤال
هو: ما المصلحة التي كانت وراء الصلاة على عبد الله بن أبي بن سلول؟ كان ذلك إرضاءً
لابنه عبد الله بن عبد الله بن ابي بن سلول ولتأليف قلوب الخزرج، كما قال الحافظ
ابن حجر في فتح الباري. وقد قال النبي ·: «وما يغنى عنه قميصي والله إني لأرجو أن يسلم
به أكثر من ألف من بني الخزرج». وفي روح المعاني 10/154 قال النبي ·: إني لأرجو أن
يسلم به أكثر من ألف من بني الخزرج. فوقع كما كان يرجو النبي ·، إذ دخل منهم ألف
رجل في الإسلام. وأشار أهل العلم إلى سبب منح عبد الله بن أبي بن سلول قميص رسول
الله · أنه كان مكافأة لقميصه الذي ألبسه العباس رضي الله تعالى عنه حين أسر ببدر فإنه
جيء به رضي الله تعالى عنه ولا ثوب عليه وكان طويلاً جسيماً فلم يكن ثوب بقدر قامته
غير ثوب ابن أبي فكساه إياه (أنوار البيان)
«لا تستغرب ما وهب الله هؤلاء
المنافقين من مال وولد رغم إبعادهم عن رحمته تعالى، إذ هي نقمة وليست برحمة لهم».
(حاشية اللاهوري)
وما ذكرنا من العبارتين تساعدان في
توضيح معنى الآيتين، وللتوسع راجع القرطبي وابن كثير وروح المعاني وبيان القرآن
وغيرها.
ألف
رجل آمن من خزرج:
قال الإمام النسفي رحمه الله
تعالى:
«روي أنه أسلم ألف من الخزرج لما
رأوه يطلب التبرك بثوب النبي ·». (المدارك)
لا
يحزن المسلمون على انفصال الأثرياء:
«إن من أحد أسباب النفاق الثراء
الفاحش، لذلك يجب على المسلمين أن لا يحزنوا على فراق هؤلاء الأثرياء لجماعة
المسلمين». (تفسير الفرقان)
وهذا الذي ذكرناه يمكن استنباطه من
الآية الخامسة والثمانين. ويرجى للتوسع في الموضوع مراجعة الجزء الثاني من فتح
الجواد، معارف سورة التوبة، رقم الآية 55. (والله أعلم بالصواب)
تنبيه:
إن الله أعطى نبيه محمداً الشريعة
والكتاب، وأنه · قد صلى على عبد الله بن ابي، رأس المنافقين، ثم منعه الله تعالى
عنها فامتنع. ولا مجال للإشكال في هذه القصة، لأن النبي · ما فعل الذي فعله إلا في
ضوء التعليمات الإلهية، وكان يشرع الشرع وفق الأوامر التي يتلقاها من ربه. والله
أعلم بالصواب
حيطة الصحابة
وحذرهم بعد نزول الآية:
«بعد نزول هذه الآية مُنعوا من
الصلاة على المنافقين بتاتاً، وكان الصحابة يحذرون منها، و لم يكن عمر يصلي على
رجل لم يصل عليه حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، لأن النبي · كان قد أخبره عن
أسماء كثير من المنافقين، ولُقّب بصاحب سر رسول الله ·». (التفسير العثماني)