بسم الله الرحمن الرحيم
{وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا
بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا
ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86). رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ
وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87)}.
ملخص معاني الآيتين:
(1)
إذا نزلت سورة من القرآن تأمرهم بالإيمان بالله
كاملاً والجهاد في سبيل الله مع رسوله، ليبرهنوا على إيمانهم وإذعانهم لما أمرهم
الله به، جاء الأثرياء من المنافقين واستأذنوه في التخلف عنه، يقولون: ذرنا مع
القاعدين.
(2) لقد عدمت
الحمية من قلوبهم، فقد فضّلوا القعود مع النساء والصبيان، ليكونوا مع الخوالف
الذين لا يغنون الدين في شيء.
(3) لقد طبع
الله على قلوبهم بسبب نفاقهم، فلا يدركون مدى السعادة التي تتحقق لهم في الجهاد،
وكم من الشقاء والتهلكة في التخلف، أو لا يدركون المنافع التي جعلها الله تعالى في
الجهاد.
الجهاد
من مقتضيات الإيمان:
«معنى
الآية أن المنافقين إذا قيل لهم: أخلصوا إيمانكم لله تعالى واستقيموا عليه، بحيث
تجاهدوا مع رسول الله · في سبيل الله، رأيت المنافقين يسعون إلى التخلف عنه، حتى
الأثرياء منهم ذووا النفوذ القوي يأتون إلى رسول الله · ليعتذروا ويتخلفوا عن
الجهاد في سبيل الله، يقولون: ائذن لنا في القعود بالمدينة، فذلك إن دل على شيء
فإنه يدل على أنهم يفضّلون البقاء مع النساء والصبيان كلما سمعوا نداء الجهاد
مبرهنين على أنفسهم بانعدام الحمية والرجولية، أما إذا تلاشى خطر الحرب، وعاد زمن
السلم، سبقوا على غيرهم في تزيين الكلام وزخرفة القول. كما قال الله تعالى: {أَشِحَّةً
عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ
كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ
حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ
وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)} (الأحزاب 19)». (التفسير العثماني).
الزعماء
الأثرياء المتخلفون عن الجهاد:
قال الله تعالى: {استأذنك أولوا
الطَول منهم} فمن أولوا الطَول؟
(1)
الأغنياء الأقويا الذين وسع الله
في رزقهم.
(2) الزعماء
والأشراف.
وفي أولوا الطول قولان: الأول قال
ابن عباس والحسن: المراد أهل السعة في المال، الثاني: قال الأصم: يعني الرؤساء
والكبراء المنظور عليهم. (التفسير الكبير)
رجال
بدون حمية :
{رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} أراد
بالخوالف النساء، كما هو مروي عن ابن عباس وعدد من التابعين، قيل للنساء خوالف
لقعودهن في البيوت.
وفي تفسير الجلالين:
«الخوالف النساء (ابن جرير عن ابن
عباس وقتادة ومجاهد والضحاك والحسن وابن زيد) الخوالف النساء قاله الجمهور كابن
عباس ومجاهد وقتادة وشمر بن عطية وابن زيد والفراء (بحر) أي النساء التي تخلفن في
البيوت». (الجلالين)
{رضوا بأن يكونوا مع الخوالف}
(التوبة 87) لقد حددت الشريعة الإسلامية جانبا من الأشغال للرجال لا تشاركهم
النساء فيه، ومنه الجهاد في سبيل الله، كأن في الآية تهجين لأولئك الذين يتأنثون
رغم رجوليتهم.
«تهجين لهم ومبالغة في الذم
والخوالف النساء قاله الجمهور.. وذلك أبلغ في الذم، لأنهم نزلوا أنفسهم منزلة
النساء» (البحر) (التفسير الماجدي).
فهذه أحد المعنيين للخوالف، وقيل:
معناه من لا خير فيه.
«وقال النضر بن شميل: الخوالف من
لا خير فيه، وقال النحاس: يقال للرجل الذي لا خير فيه».
والمعنى: يسر المنافقون أن يعدوا
فيمن لا خير فيهم، مهملين مبطلين.
«والمراد أخساء الناس وأخلافهم».
(البحر المحيط)
بطيء
في الجهاد سريع في الكلام:
لقد ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله
كلاما يغمره الإيمان واليقين، أيد ذلك بعدة آيات، فيما يلي لاحظوا ما قاله:
«فإذا وقع الحرب كانوا أجبن الناس
وإذا كان أمن كانوا أكثر الناس كلاما». (ابن كثير)
ولاحظوا العبارة التالية مع ما
ذكره ابن كثير وفوائد أخرى جمة:
«فإذا نزلت سورة من القرآن تأمرهم
باتخاذ القرآن دستورا ونبراسا لحياتهم، وتأمرهم بقتال المشركين مع رسول الله ·،
والمتوقع من الأثرياء والأغنياء في مثل هذه المواقع تقديم الدعم المالي والمعنوي
للجهاد، لكنهم يسعون إلى التخلف عنه بحيل واهية كاذبة، وقالوا: لابد من تخلف بعض
الناس في المدينة للمحافظة على النظام والأمن العام، فاخلفونا فيها، كأنهم يريدون
أن يلسبوا أساور من فضة ليتخلفوا مع الخوالف من النساء وغيرهن».
وأشار إلى هذه الحالة في آية أخرى:
{أَشِحَّةً
عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ
كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} (الأحزاب 19).
وقال في موضع: {وَيَقُولُ
الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ
وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ
إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ } (محمد 20).(تفسير القرآن)
من
علامات الطبع على القلب عدم وعي الجهاد:
قال الله تعالى: { وطُبع على
قلوبهم فهم لا يفقهون} :
(1) فهم لا يفقهون ما في الجهاد من
النجاح والسعادة وما في التخلف من الهلاك والشقاء. (المدارك)
(2) فهم لا يفقهون، لِمَا طُبع على
قلوبهم لا يفقهون ولا يتدبرون ولا يتفهمون ما في الجهاد من النجاح والظفر، وما في
التخلف من الشقاء والضلال. (البحر المحيط)
(3) فهم لا يفهون، أي أسرار حكمة
الله في الجهاد.
(4) فهم لا يفقهون، السعادة التي
أخفاها الله تعالى في الجهاد وموافقة الرسول ·، والشقاوة التي أخفاها في مخالفته.
(التفسير المظهري)
(5) أي طبع الله على قلوبهم بسبب
كذبهم ونفاقهم ونكولهم والتخلف عن الرسول، فلا يلاحظون العيوب الكبيرة، حتى صاروا
يعتزون ويفتخرون بمداهنتهم وجُبنهم. (التفسير العثماني)
(6) فهم لا يفقهون، أي لا يدركون
مصالح الجهاد وحِكَمه. (التفسير الماجدي)