بسم الله الرحمن الرحيم
{لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا
مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)}.
ملخص
معاني الآيتين:
(1)
إن كان المنافقون يتخلفون عن الجهاد كلما سمعوا نداء الجهاد، فلا يضر ذلك الإسلام،
لأن هناك من هو أفضل منهم، يستجيب لنداء الجهاد كلما سمع.
(2)
إن رسول الله محمداً · يجاهد بماله ونفسه في سبيل الله.
(3)
يجاهد المؤمنون بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.
(4)
لمّا استجابوا لنداء الجهاد، وقاموا بأداء واجب الجهاد على أكمل وجهه، منحهم الله
تعالى خيرات الدنيا والآخرة، فتحقق لهم الفوز والظفر، وأعد لهم الجنة ونعيمها،
وذلك هو الفوز العظيم.
الجهاد
من أعمال الأنبياء:
«لكن
الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم، والمعنى أن المنافقين إن كانوا
قد رفضوا مرافقة رسول الله ·، وتخلفوا عن الجهاد، فإن ذلك لم يُصب الإسلام بأذى،
لأن أناساً أفضل منهم جاهدوا في سبيل الله». (المظهري)
«إن
تخلف هؤلاء المنافقون عن الغزو فقد توجه إليه من هو خير منهم، وأخلص نية
واعتقادا». (التفسير الكبير)
ومن
هنا عرفنا أن الجهاد من أعمال الأنبياء والصحابة، والحياد عنه ليس إلا من أعمال
المنافقين. قال شيخ الإسلام العلامة شبير أحمد العثماني:
«ذكر
المؤمنين في مقابلة المنافقين، وأشار إلى أن هؤلاء هم عباد الله الأوفياء، يستعدون
للتضحية بأغلى ما يملكون من المال والنفس، لا يتخلفون عنها، مهما كان الخطر المحدق
بالأمة، إن لم يتحقق لهم النجاح فلمن يتحقق؟» (التفسير العثماني).
الجهاد
من علامات الإيمان الكبرى:
قال
العلامة الآلوسي رحمه الله تعالى: قال الله تعالى: {والذين آمنوا معه جاهدوا
بأموالهم..} إشارة إلى أن المنافقين ليسوا بمؤمنين، وأنهم من ضمن الكفار، وإن لم
يصرحوا بكلمة الكفر، فابتعادهم عن الجهاد دليل على كفرهم.
«وفي الآية تعرض بأن القوم ليسوا من
الإيمان بالله تعالى في شيئ، وإن لم يعرضوا عنه صريحا إعراضهم عن الجهاد
باستئذانهم في القعود». (روح المعاني)
جوائز
كبرى للمجاهدين:
أشار
الله تعالى في الآيتين إلى ثلاث جوائز للمجاهدين:
الجائزة
الأولى: {أولئك لهم الخيرات}. وما معنى الخيرات؟ فيها أقوال عدة:
·
خيرات الدنيا والآخرة.
·
«تناول منافع
الدارين لإطلاق اللفظ». (المدارك)
·
النصر والغنيمة في الدنيا والجنة
ونعيمها في الآخرة.
·
«وظاهر اللفظ
عمومها هنا لمنافع الدارين كالنصر والغنيمة في الدنيا والجنة ونعيمها في الأخرى».
(روح المعاني)
·
حور الجنة. {فيهن خيرات حسان} (القرطبي).
·
المغانم والعبيد والجواري.
·
«قيل المراد
بها الغنائم من الأموال والذراري». (البحر المحيط)
الخيرات
المذكورة في الآية فصّلتها الآية التي تلتها، وفيها تصريح بأن المراد منها نعيم
الجنة التي أعدها الله تعالى للمؤمنين.
وقيل:
{أعد الله لهم جَنَّات} تفسير للخيرات إذ هو لفظ مبهم. (البحر المحيط)
وهذا
الأخير هو الذي اختاره العلامة التهانوي رحمه الله في بيان القرآن.
2-
الجائزة الثانية:
{وأولئك
هم المفلحون}..
قال
الرازي رحمه الله:
المراد
منه التخلص من العقاب والعذاب. (التفسير الكبير)
وفي
أنوار البيان:
«فيها
تعريض للمنافقين، الذين كانوا يزعمون أنهم بتخلفهم عن الغزو في الحرّ أحرزوا نجاحا
وفلاحا، إذ ذلك دليل على غباءهم وجهلهم، لأن النجاح الحقيقي في الجهاد، دون القعود
عنه في البيوت». (أنوار البيان)
3-
الجائزة الثالثة:
{أعدّ
الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها. ذلك الفوز العظيم}.
الذي
لا فوز وراءه. (روح المعاني)
وإحراز
الجنة دليل على رضى الله.
نكتة
مهمة:
قال
الله تعالى: {لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم}..
قال
التهانوي رحمه الله: لم يذكر الرسول مع المؤمنين إلا للتشجيع ورفع معنوياتهم، بأن
كمل إخلاصهم في الجهاد مثل الرسول ·». (الماجدي)