{وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ
لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90)}.
ملخص
معاني الآية:
لم تكن تخلو البوادي والقرى خارج
المدينة من المنافقين، وقد ظهر نفاقهم لمّا دُعوا إلى الجهاد.
من كان
المعذّرون؟
{
وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ }..
قيل هم أهل البادية من البدو الذين
ادّعوا الإسلام، فلمّا دُعوا إلى الجهاد، لجئوا إلى الحيل الكاذبة، واستأذنوا
الرسول · في التخلف عنه، اشتكى بعضهم ضيق اليد وكثرة العيال، والبعض الآخر قال:
إنه يخشى غارة العدو على أهله وماله.. أما قوله تعالى: { وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ } فالمراد منه
المنافقون المتجرئون فاقدوا الحياء، قعدوا في بيوتهم بعدما سمعوا نفير الجهاد، وما
شعروا بالحاجة إلى الاعتذار على التخلف، ولو كذبا.
والقول الثاني أن المراد من المعَذِّرين
: المسلمون الذين لم تكن لديهم أعذار، جاءوا إلى النبي ·، واعتذروا إليه، فأعذرهم
النبي ·، وأذن لهم بالقعود، والمراد بقعد الذين كذبوا الله ورسوله المنافقون،
والوعيد بالعذاب الأليم لأولئك الذين لم يعتذروا، وفق هذا القول.
لاحظوا ملخص ما قال المفسرون بشأن
القولين المذكورين:
«المعنى أن البوادي والقرى لم تكن تخلو
عن المنافقين مثل المدينة المنورة التي كان بها منافقون، ذكر قسمين منهم هنا، وذكر
المخلصين منهم في آخرها بلفظ {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر}. وقد اختلف
أهل العلم في تحديد المراد من المعذّرِين من صنفي أهل البادية، هل المراد منهم
المنافقون الكاذبون أم المخلصون المؤمنون الذين اعتذروا؟ فإن أردنا المنافقين ففي
الآية بيان لنوعي المنافقين، الأول المعذّرون الذين كانوا يعتذرون إلى رسول الله ·
ليتخلفوا عن الجهاد وليست لديهم أعذار، يفعلون ذلك جريا على عاداتهم وتقاليدهم
البدوية، والثاني القاعدون الذين كذبوا في ادعاء الإسلام، ثم لم يعتذروا على
القعود، قعدوا في بيوتهم لمّا سمعوا نداء الجهاد، ولم يتقدموا للإعتذار ولو كذبا
وزورا. وعلى هذا التقدير يشمل الحذر النوعين في قوله تعالى {سيُصيب الذين كفروا
منهم} والمعنى أن من تمسك بكفره ونفاقه طيلة حياته حتى مات عليه، له عذاب أليم.
أما الذين يُوفّقهم الله للتوبة فلا يدخلون في هذه الآية. وإن أراد بالمعذرين
المؤمنين المخلصين الذين اعتذروا إلى رسول الله ·، وكانوا في الحقيقة معذورين،
فالمراد من القاعدين: المنافقين، وهؤلاء هم مصداق {سيصيب الذين كفروا منهم عذاب
أليم} أما المؤمنون المخلصون المعتذرون فذكرهم كمن قُبل عذره». (العثماني)
المعتذرون:
«ظنّوا أنهم يقدرون على التخلف عن الغزو
إلي جانب احتفاظهم بإسلامهم، فلمّا عرفوا أن بواطنهم ظهرت للمسلمين جاءوا
يعتذرون». (حاشية اللاهوري)
أي كانوا يتمنون أن يحافظوا على إسلامهم
ويتخلفوا عن الجهاد، فلم يقدروا عليه، وظهر نفاقهم للجميع، ومن هنا عرفنا أن
الجهاد خير وسيلة للتمييز بين الناس في المجتمع. (والله أعلم بالصواب)