بسم الله الرحمن الرحيم
{اشتروا بآيات الله ثمنا قليلاً
فصدّوا عن سبيله، إنهم سآء ما يعملون}.
ملخص معاني الآية:
المشركون ليسوا على عقيدة صحيحة أو إيمان صادق،
إنما هم عُبّاد الدنيا وأحباءها، وقد وجب محاربتهم لأنهم لا يهدفون بإنكارهم بآيات
الله تعالى إلا حطام الدنيا، رفضوا الإيمان بالله خشية الحرمان من الدنيا الحقيرة،
فما من شخص يجعل الدنيا نُصب عينيه إلا وتعسّر عليه السير في طريق الله، لا يؤمنون
بالله ولا يوسعون الطريق أمام غيرهم ليؤمنوا، إنهم ساء ما كانوا يعملون. (مستفاد
من ابن كثير وأنوار البيان)
فيها ترغيب إلى القتال:
قال الإمام ابن كثير رحمه الله:
يقول تعالى ذمّاً للمشركين وحثاً للمؤمنين على
قتالهم {اشتروا بآيات الله ثمنا قليلاً}. (تفسير ابن كثير)
إن الانغماس في الدنيا بحيث لا يفوته الإيمان
يعتبر جريمة، لأن من لا يؤمن باليوم الآخر يصعب كفه عن الظلم ونقض العهد والقبائح
الخُلقية، يملأ العالم بالظلم والفاحشة والمكر، وخير شاهد عليه ما نراه اليوم
حولنا، يسعون إلى نشر الرذيلة والظلم بقوة السلاح. (والله أعلم بالصواب)
قبائح المشركين عائدة إلى حب
الدنيا:
قال صاحب معارف القرآن:
وفي الآية التاسعة بعد الإشارة إلى المشركين
الذين نقضوا العهد، وإلى أسباب النقض، وجّه إليهم تعليمات خاصة، وأكّد أنهم إن
تأمّلوا فيما هم فيه لأصلحوا أحوالهم، كما حذّر عموم المسلمين من مغبة الوقوع فيما
اُبتلي به المشركون حتى أقدموا على الغدر والخيانة، فإن حب الدنيا أعمى أبصارهم،
ورضوا بشراء آيات الله تعالى بثمن قليل، وساء ما كانوا يعملون. (معارف القرآن)
عدم الشعور بمسئولية اليوم
الآخر جريمة:
أي ما الذي كسبوه عوضا عن الأحكام الربانية
التي تُمثّل نعمة سرمدية؟ حطام الدنيا
الفانية الزائلة؟ هنا أشار إلى الدافع الحقيقي لنقض العهد، وهو الكفر باليوم
الآخر، إذ هم لا يشعرون بشيء من المسئوليات تجاهه في قلوبهم. (التفسير الماجدي)
عدم الإيمان بالله استجابة
للشهوات:
لم يؤمنوا بالله لهرعهم إلى الشهوات، فكيف
توادُّهم؟ (حاشية اللاهوري)
لاحظوا العبارات المذكورة بدقة، فحب الدنيا
يُعتبر اليوم كمالا إنسانيا وبراعة وفنّاً، يتخلى المسلم عن إيمانه سعياً وراء
بريقها، رغم شناعتها وقبحها عند الله، فمن فاته الإيمان والقرآن للهثه وراء الدنيا
وبريقها، كان من المجرمين الذين يستحقون كافة أشكال الشجب والتنديد، لأنهم لم
يؤمنوا بالله لأجل شيء حقير وتافه، ومنعوا غيرهم عن الإيمان بالانهماك في جمال
الدنيا وروعتها وبريقها، هم ساء ما كانوا يعملون. (التفسير العثماني)
تفسير سهل لطلبة العلم:
{اشتروا} استبدلوا {بآيات الله} بالقرآن {ثمناً
قليلا} عرضا يسيرا وهو اتباع الأهواء والشهوات {فصدوا عن سبيله} فعدلوا عنه وصرفوا
غيرهم {إنهم ساء ما كانوا يعملون} أي بئس الصنيع صنيعهم. (المدارك)
يا ليت...
يا ليت لو عمل المسلمون بهذه الآية، واستقبحوا
صنيع أولئك الذين ابتعدوا عن الإيمان والقرآن لأجل الدنيا، ولا ينفعلوا بتقدمهم
الظاهري وبريقهم وروعتهم.
مائدة نقض العهد:
وكان مجاهد من بين المفسرين يقول: أراد ب {ثمنا
قليلا} الطعام الذي أطعم أبو سفيان المشركين، فنقضوا عهدهم مع المسلمين، حيث يقول
القرطبي:
يعني المشركين في نقضهم العهود بأكلة أطعمهم
إياها أبو سفيان، قاله مجاهد. (القرطبي)
وفي الآية إشارة إلى اليهود:
وفي التفسير الحقاني:
اشتروا بآيات الله ثمنا قليلاً من الدنيا، أي
قدّموا الفوائد الدنيوية على الدين، وفيها إشارة إلى يهود بني قريظة الذين شاركوا
في نقض العهد. (التفسير الحقاني)
يبدو أن هذا القول مستفاد من تحقيق الإمام
الرازي التالي:
الثاني: لا يبعد أن تكون طائفة من اليهود
أعانوا المشركين على نقض تلك العهود، فكان المراد من هذه الآية ذم اليهود.
(التفسير الكبير)
الخُلق الحسن في اتباع دين
الحق:
في تفسير الفرقان:
يحرص المشركون دائما في القضاء على المسلمين
بأي طريق كان، أو في استرقاقهم، أما عن أنفسهم فلا يرضون أن يقيّدوها بشيء من
الأديان، وحياتهم عبارة عن الفسق والفجور. لقد أكّد في هذه الآية على أن معتقداتهم
لا تستند إلى الحق، ولا يمكن استحداث الخُلق الحسن في داخل الإنسان بدون التقيّد
بالقوانين الربانية، فلما تسربت اللامذهبية إلى قلوبهم، صاروا يشترون بآيات الله
ثمنا قليلاً، ينشرون الرذيلة متسترين بآيات الله، ويصدون الله عن سبيل الله.
(تفسير الفرقان)